طولا وعرضا. وفيه طبقات كذلك ، والضوء في جميعها من كثرة دفف الزاج ، وفي كل بيت فراش مرتفع من الفرش ، ومائدة الناقوس ببابه. وفيه مطبخة كبيرة يطبخ فيها للمساجين من أزكى الطعام. وجدنا فيها أكوابا ممتلئة حريرة جامدة ، رفع منها صاحب المطبخة مغرفتين كبيرتين في زلافة ، وقطع من خبزة طرفا نحو نصف رطل ميزانا ، وقطعة لحم نحو أوقيتين أو أقل مع إدام يسير ، وقال الترجمان هذا ما يطعم للمساجين كل يوم ، وفيه صالة كبيرة أرضية ، فيها كراسي عديدة وموسيقا ، يجتمعون هناك للصلاة ، وفيه محل متسع خارج عن البيوت يخرجونهم إليه بقصد انبساطهم فيه ساعة في كل يوم ، وهذه الطبقة السفلية إنما فيها أناس يدعى عليهم بالحقوق العرفية ، فيتركونهم حتى يقع الفصل فيها. وأما غيرهم من أهل الجرائم ، فهم في الطبقات. وعثرنا على بيت هناك مظلم غاية ، قيل إنه إن صار من بعض المساجين نزاع وخصام يتركونه فيه ثلاثة أيام فلا يعود إلى ذلك أبدا ، واستنبطوا عقوبة للسارق ، وذلك /٢٣٣/ أنهم اتخذوا صندوقا مقسوما نصفين ، مقبوضا من غاربه بقريقيات ، وفتح لوحته العليا دائرتين نصفهما في كل نصفي اللوحة الفوقية ، يفتح هذا الصندوق (١) ويدخل إليه السارق ويسد على ما فوق ركبتيه ، وتغل يداه بين خشبتين منصوبتين فوق الصندوق ، ثم يضرب بسياط خمسين سوطا بين كتفيه ، وقد نزعت ثيابه ، وصاحب السوط يضرب به بغاية جهده ، وصفة السوط قضيب رقيق ، طوله يزيد على ذراع يسيرا في رأسه جلدة ركب فيها تسعة خيوط من القنب الرقيق فيها ، عقد طول هذه الخيوط كطول القضيب ، قيل كل ضربة به يتفجر منها الدم ، وأن من ضرب به خمسين سوطا يموت لا محالة. وأكرمنا هناك قائد السجن
__________________
(١) إن التنشئة الحديثة للسجون بأوربا لم يقض معها بالمرة على النظام الذي كان سائدا من قبل ، وذلك خشية إضعاف هيبة القانون فاحتفظ ببعض مظاهر القسوة في النظام العقابي كما كان الأمر قديما.(مؤسسة السجون ، أحمد مفتاح البقالي ، الرباط ، ١٩٧٩ م).