غيرها. هذا شغل هؤلاء الصبيان الأربعة لا يفترون عن هذا العمل ، والناعورة وذلك الثوب يتحركان على نسبة عملهم ، فلاهم يتمون عملهم ويتربصونه على تحركهما ، ولا هما يسبقان الخدمة في شيء ما. فكلما فرغا من عمل وجدا عملا آخر مهيئا. ولا يمكنهما الالتفات إلى شيء أو التأني في الخدمة ، لأنهما إذا تركا الخدمة نحو دقيقة واحدة والناعورة تدور فتخبر المجانة التي هناك مع المكينة بعد دوران الناعورة اللازم عند مثله من الكاغد المطبوع ، فيكون في ذمة الكبير ، وقد رصدت عدة أدوار إحدى النواعير في الدقيقة الواحدة ، فكانت ثلاثين دورا بثلاثين /٢٤٢/ كاغدا. وانظر كم في الكاغد ، فإنه من خمس ابرات إلى مليون منها ، فكيف يمكن خدمتها مع التأني أو العبث ، وحيث رءاني كبيرهم أرصد دوران بعض النواعير والمجانة في يدي ، فأخبر أن هذه الدار يطبع فيها كل يوم مليون من الابرة. وإن مثل ذلك يوجد من الليبرة في كل يوم. ثم خرجنا من هذا المحل إلى محل آخر فيه خزانات ، بعضها فوق بعض أربع (١) طبقات مملوءة كواغد مطبوعة. كل رزمة كأنها سفر ثماني ، غلظه نحو أصبعين وزيادة ، فيه ميلون من الابرة. وانظر كم عدد الملايين ، هناك أوقفونا على بعض الكواغد زورها عليهم بعض من الفرنصيص ، وتداولها أناس بالدفع ، وعند رجوعها لدار المطبعة تفطن لها الكتاب من جهة النمروس لا غير ، وما عداه من النقش والأرقام قالوا إنه أصف من عملهم ، وحيث رجعت هذه الورقة المزورة لأيدي الكتاب ، ووجدوا ذلك النمروس والتاريخ لا زال لم يخرج من الدار ، أخبروا به ، وجدوا في طلب من زوره حتى وجدوه ، وحكم عليه بالسجن ثلاثين عاما ، وهذه الكواغد التي ترجع إلى هذه الدار ، ويقبضون أصحابها بدلها ابرة عند احتياجهم إليها. تجمع وتجعل في صناديق ويختم عليها ، وتبقى هناك خمس سنين مدفونة في
__________________
(١) ذكر الطاهر الفاسي في رحلته الإبريزية : ٣٥.
«... ثم صعدنا لمحل آخر يطبعون بالآلات كاغيد السكة يبيعون به ويشترون به ... وقد أحدثوا هذه السكة في القرب ، وسبب إحداثه كما يقال ، أن الدولة الأنجليزية بلغها عن بعض أجناس النصارى ، يقولون إن دولة أنجليز حصل لها ضعف وفلس مثلا ، فاتفقوا على استعمال ذلك إظهارا للقوة دمرهم الله ....».