تلك الصناديق ليلا يتوقف أحد على شيء منها ، ثم بعد ذلك تحرف بمحضر الكتاب والأمناء ويجمع رمادها وحرفها ـ والله أعلم ـ ورقتين بل بعد ورقة ليمكن عد حرقها ، ولأنهم أرونا بعض ورقات محروقة وهي مبسوطة بين ورقتين بل بين لوحتين ، والرقم لا زال ظاهرا في الورقة بعد حرقها ، وبعد حرق ما يحرق منها يجدد طبعه مرة أخرى وهكذا(١).
ثم دخلنا إلى محل ، آخر فيه اثنتان وثلاثون طبلة عودا ، على كل طبلة مائة بارة ذهب كهيئة ابرة شكلا ، إلا أن البارة أغلظ ، كل ابرة عليها رقم ميزانها ، قيل تقطع ثمانمائة ابرة بإضافة بعضها إلى بعض ، فيكون فيها مليونان من الابرة وخمسمائة ألف وستون ألفا من الابرة ، ومنها خناشي طول كل خنشة نحو ذراع غير ربع ، وعرضها ذراع ، مملوءة نحو نصفها ابرة. وهي موضوعة /٢٤٣/ بعضها فوق بعض ، ذكر أنها وجدت ناقصة (٢) في الوزن ، وأنها بصدد الرجوع إلى الدار ، ثم سرنا إلى محل آخر وجدنا فيه موازين الابرة ، يجعلون الابرة في جعبة منحدرة ، وهي تنزل واحدة بعد واحدة على صنجية لطيفة مثل جرم دائرتها ، فإذا كانت تامة الوزن خرج مسمار وضربها في حرفها فتنزل إلى ناحية اليمين ، وإذا كانت ناقصة خرج مسمار آخر من
__________________
(١) تدخل زيارة السفارة المغربية لدور ضرب السكة في كل من باريس ولندن ، في إطار التنافس الذي كان قائما بينهما لاستقطاب المغرب لضرب عملته بإحدى الدارين. خاصة وأن السلطان الحسن الأول فوض أمر ضربها لأمينه الحاج محمد الزبيدي بعد عودته إلى المغرب ...
(٢) في إحدى رسائل السفير هاي دريمند هاي إلى السفير الزبيدي سنة ١٨٨١ م «... فقد عزبي حيث سمعت أن السلطان لم يساعد كما أشرنا به من جعل سكة النحاس في بلادنا عوضا عن سكة النحاس الزائفة الحاضرة اليوم هنا ... ما يصنع لذى المخزن فدائما يزورون ذلك ويتورث منه صعود الصرف والضرر لبيت المال والتجارة ولجميع خلق الله .. وهذه السكة الفاسدة يجمعها ويبيعها وأرباب فبريكة سكة النحاس يجعلون الفلوس لبلادنا وللطاليان ولعدد دول أخرى هذه مدة سنين معددة بدون شكاية من أحد لا من حيثية المعدن ولا من السكة كما يقع عند الغير ... وإذا لم يكن عنده مال موجود يعطيه على هذه السكة فيأخذ سلفا بوجه مناسب عند أرباب السلف ...» ، بتاريخ ١٤ يوليوز عام ١٨٨٠ م / ١٦ شعبان عام ١٢٩٨ م. الإتحاف ، ابن زيدان : ج ٢ : ٤٥٠ و٤٥١.