الدخول إلى مدينة باريس
وبعد مرور نصف ساعة من زوال شمس هذا اليوم ، ركبنا في بابور البر قاصدين قاعدة باريس ، فمر بنا أيضا على مزارع وأنهار وبساتين وأشجار ، ولم يزل يقطع بنا تلك الأنهار والأشجار ويمر بنا على القرى والأمصار ، حتى حطت المحبوبة النقاب ، ورفعت عن محياها الجلباب ، فأشرفنا على طلعتها مستبشرين ، ونودي ادخلوها بسلام آمنين ، وخرجنا من ضيق القبور إلى فضاء القصور (١) وطابت الأنفس وانشرحت الصدور. وكان دخولنا إليها في الساعة السادسة ونصف من مساء اليوم المذكور. فاسترحنا من التعب مع أنه لم يمسنا ـ والحمد لله ـ في ذلك نصب ، وأنزلتنا الدولة الفرنصوية أيضا في أوطيل الذي كنا فيه عند مرورنا ، وقامت بالضيافة أتم قيام على العادة من الاحترام وجزيل الإكرام.
وفي يوم الأحد منتصف رجب (٢) ركبنا الأكداش في مسائه ، وخرجت بنا إلى أطراف البلد فمررنا على أجنة ذات أشجار وأنهار وفلك جاريات ، أسرت غزلانا وأقمار متكلم مع الحادي وأشير إليه بالنزول بشاطئ الوادي ، بقصد الاستراحة هناك. فجدير أن تجد يا لبيب مقصودك ومناك ، فنزلنا هناك هنيئة من الزمان وسرحنا الأبصار في المرائي الحسان ، وقلت عند نزولنا في هذا المكان.
بالله عرج على تلك الجنان ولا |
|
تحيد عنها فما عليك من حرج |
فلج معاهدها واقصد حدائقها |
|
ذات ابتهاج بقرب نهرها الهائج |
__________________
(١) نفس الإعجاب عبر عنه الصفار في رحلته بالصفحة ٥٦ «... واعلم أن هذه المدينة هي قاعدة بلاد الفرنسيين وأم حواضرهم ، وكرسي مملكتهم ومسكن عظمائهم ومنشأ قوانينهم ، وشرائعهم ، ودار علومهم بها يتفاخرون وبسكانها يتنافسون وبها وبأهلها في عوائدهم وآدابهم وحضارتهم ، يأتنسونوهي مدينة عظيمة كبيرة ، من كبار المدن المذكورة في الأقاليم ...».
(٢) ٦ غشت سنة ١٨٧٦ م.