قل لهذا الكاتب إن هذا المحل بناه الملك ططوس (١) الذي خرب بيت المقدس وأتى بعشرةءالاف من اليهود أسارى ، هم الذين كانوا يخدمون في بناء هذا المحل ، فتبسم اليهودي وأخبرني بذلك وزادني أن هذا الرومي ليس عنده تحقيق الخبر لأن ذلك الملك كان أتي بعشرةءالاف من بيت المقدس كما ذكر ، وثلاثةءالاف أخرى من غيرهما ، ولم يومنوا به لأنه كان يدعي الربوبية ، وعاش مائتي سنة وإحدى وأربعين سنة. وإن هذا المحل كان عنده فيه سباع وأسد في مغارات بنيت لأجلها وأن من لم يؤمن به ، كان يدخله إلى وسط ذلك البرج ويرسل عليه السباع وتكون تلك البيوت التي به مملوءة بالناس يتفرجون في ذلك /٣٠١/ الذي ترسل عليه السباع ، وأنه من أحد الملوك الذين ملكوا الدنيا بأسرها شرقا وغربا ، وأنه أوتي إليه ذات يوم برجل ممن لم يؤمن به فأمر بإلقائه للسباع فألقي إلى سبعين ، فحين خرجا إليه والناس يتفرجون في تلك المواضع فرا منه ورجعا إلى محلهما ، ثم أرسل عليه ثلاثة سباع أخرى ، فحين رأوه (٢) تأخروا ورجعوا ، فأخبروا الملك بذلك فأمر بإتيانه فأوتي به إليه ، فسأله عن ربه ودينه فأخبره أنه مومن بالله عز وجل لا يشرك به شيئا ، وأنكر ربوبيته. فأمر بإحراقه فأخفاه الله عنهم ، ولم يجدوا له أثرا هكذا أخبر ذلك اليهودي حيث غاظه ما كان تكلم به ذلك الرومي في شأن أسراهم ، ثم قلت لليهودي : وهل تدرون من الرجل الذي فرت منه السباع ، قال : نعم هو من أصحاب نبي الله سيدنا إبراهيم الخليل على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
__________________
(١) Titus (٨١ ـ ٤٠ م) عهد إليه والده فسباسيان بإتمام قمع الثورة اليهودية القومية بين (٦٦ ـ ٧٠ م). بعد وفاة نيرون وتوليه العرش ، شدد القائد تيطس الحصار على أورشليم حتى هدمها سنة ٧٠ م ، وأحرق المعبد ، ثم عاد إلى روما لتكريمه مصحوبا بالعديد من الأسرى. ولقب بالقيصر بعد توليه العرش عام ٧٩ م ، وينسب إليه إتمام بناء الكوليزيو ولم يدم حكمه إلا سنتين. (تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين ، الدكتور فليب حتى : ٣٧٥ ، ترجم تحت إشراف جبرائي جبور ، دار الثقافة ، بيروت ، ١٩٥٨ م).
(٢) هذه القصة الأسطورية تنسب إلى أندروكليس الذي حكم عليه بصراع أسد مفترس ، لكنه أخذ يلعق رجليه ، فأطلق سراحه. (دائرة المعارف الحديثة ، ج ١ : ١٨١).