الكبير السواد الذي في وسط لوحة إشارته ، مع البعد الذي بينهما ، وهو ثنتا عشرة مائة متر ، أزيد من ميل واحد بكثير.
ثم رجعنا إلى الطبجية وشكر الباشدور حسن رمايتهم وشدة إتقان قواعدها فتأدبوا معه أدبا كبيرا ، وقالوا قد أسعدهم الله به وبقدومه لهذا المحل وحضوره لتجربة الرمي بذلك المدفع الكبير ، وقد سخر الله لهم فيه بسببه ، هكذا ذكر ترجمانهم عنهم فأجابهم بما يقتضيه الحال وودعوه متأدبين مع سيادته ، ثم رجعنا في الأكداش وفي بابور البر إلى طورين ، بعدما دخلنا لأوطيل في الطريق كان خرج إليه الطباخ وخدام آخر يهيئان لنا فيه الغداء ، وتغدينا هناك ، وذلك المدفع الكبير ذكروا أن كورته وزنها ثلاثمائة كيلو وخمسون كيلو ، وهي تعدل (١) سبعة قناطير إلا نزرا يسيرا ، وأنها تخرق بوردول المركب من الحديد ، إذا كان في عرضه أن البوردول تسع بلقاضات ، ولو كان في مراسي مولانا السعيدة منها شيء في أبراجها ، لكان ذلك من الاستعداد بالقوة الظاهرة في الوقت بحسب الاستطاعة ، لا بحسب العناد بحيث تكون العدة التي عندنا مماثلة للعدة التي عند النصارى كيفية وعددا ، لأن في ذلك حرجا ومشقة ، والمولى جل علاه سلك بهذه الأمة المحمدية /٣٢٩/ مسلك اللطف والفرج (٢). فقال عز وجل (٣)﴿ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ وإنما أمرنا سبحانه بالاستعداد بحسب الاستطاعة ، فقال تعالى (٤)﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ ولم يقل مثل استعدادهم لطفا بهذه الأمة ورحمة بها ، فله الحمد على هذه المنن الواقية والألطاف الخافية أدى الله عنا شكرها بفضله آمين ، آمين ، آمين.
__________________
(١) القنطار يساوي ١٠٠ رطل أي حوالي ٥٤ كلغ.
(٢) طرة بهامش الصفحة لابنه عبد القادر الجعيدي.
«بل الآية تدل على المماثلة أولا قدرهم إذ بذلك يحصل المقصود وإعلاء كلمة الله ، وكل ممكن مستطاع ونرجو من ربنا شفاعة نبينا إذ نحن أهل الكبائر من أمته ، وقد قال شفاعة لأهل الكبائر من أمتي ، كما قال لكل نبي دعوة» «الحديث الصحيح».
(٣) «هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج» ، سورة الحج : ٧٨.
(٤) «ومن رباط الخيل» سورة الأنفال : ٦٠.