تلك المدجة من الحرير ، فإذا مرت عليه مثلا ساعة واحدة وهو مرسل بداخل الصندوق يعرفون كم نقص بسبب يبسه ، وإذا مرت عليه ساعتان زاد النقص ، ويجعلون لكل عينة من الحرير ثمنا على حسب طول مكثه في ذلك الصندوق ، ثم وجدنا نساء مشتغلات بتحويل الحرير ويجعلونه مدجات متساوية ، وشعرات الحرير حين تمر من الناعورة الكبرى إلى النواعير الأخر ، تمر على قضبان رقاق من البلار معكوفة الرؤوس كهيئة رأس البريمة الصغيرة ، وبقرب الناعورة مجانة تخبر بقدر طول الخيط من الحرير الذي مر عند التدوير ، فإذا مر منه طول أربعمائة متر وخمسين مترا ، تقطع الخيط وحده فتزال تلك المدجة وتستأنف أخرى ، وهكذا والغرض منه ليكون النساج على بال من طول شعرات المدجات كما قيل ، ثم أوقفونا على ميزان يعرفون به قوة الحرير وصحته ، وذلك أنهم يأخذون شعرة منه طولها نحو ربع ذراع ، وتمسك في لوحة من حديد ويجعلون في طرفيها تقالة ويديرون ناعورة صغيرة ، فتأخذ تلك الشعرة تمتد إلى أسفر وتطول حتى تتقطع ، فعند ذلك ينظرون الدرجة التي تقطعت فيها ، ومنها يعرفون قوة ذلك النوع من الحرير /٣٣١/.
ثم توجهوا بنا إلى دار فابريكة نسج الحرير ، فوجدناها على الهيئة التي ذكرناها في مدينة ليون ، وفيها من ألوان الكمخة عينات شتى ، منها ما في عرضها أزيد من قالتين ، وكذلك من أنواع المشجر منه ما هو من لون واحد ومنه ما هو من ألوان.
ثم دخلوا بنا إلى دار يبيعون فيها الثياب المنسوجة من الحرير ، وصاروا يفتحون الشقق والأطراف الميشطرات وينشرونها أمامنا ، فقيل لهم إننا لم نأت بقصد التجارة لكن دخلنا إلى هذه الدار بقصد رؤيتها فلا تتعبوا أنفسكم ، فقالوا أنهم فرحوا بدخولنا لدارهم ومن حقهم واعتنائهم أن يبينوا لنا جميع العينات التي عندهم. ثم يطوى ذلك ويرد لمحله فكانت تلك العينات لا تكاد تحصى ، لكنها من الحرير فقط ، أو حرير أو قطن لا شيء فيها من الصقلي.