خروجها شرع ذلك التاجر في بناء تلك /٣٤٦/ القبة احتراما لذلك الموضع وتعظيما له. ثم تقدم بنا إلى قبة أخرى شبيهة البناء بالأخرى ، غير أنها مثمنة الشكل في كل ثمن زاجة من الزاج الملون المورق ، منها زاجة ذهبية تقابلها أخرى مثلها ، وكان أصابها شعاع الشمس ، فيكون الناظر فيهما معا يرى وراء الزاجة المقابلة كأنه يلتهب نارا ، وعلى كل زاجة شبكة من السلك الرقيق مظفورة ظفرا عجيبا محافظة على الزاج ، ثم ذهب بنا إلى جبل صنعوه باختيارهم ونصبوه على وفق مرادهم ، فحين وصلنا إليه دخلنا في مغارات في وسطه واحدا إثر واحد ، والشمع موقود في الطرق وسقف هذه المغارات وطرقها من الطين قريب من ررؤوسنا ، وفيه طين بارز صغيرا وكبيرا كأنه كان يتقاطر منه الماء ، وكل ذلك من مبانيهم وأعمال المهندسين منهم ، يحكون بذلك كهوف بعض الجبال ومغاراتها وطرقها ، فساروا بنا حتى وصلوا إلى طرق في وسطه قد غمرها الماء ، وفي هذا الماء فلكان صغيران فركب الباشدور والترجمان في فلك ، وركبنا نحن في الآخر والمخازنية معنا ، وأخذ أصحاب الفلكين يديرونهما بالمقاديف بين الطرق والمغارات ، لأن الطرق ليست على سمت واحد بل تنعطف يمينا ويسارا ، وهذا كله ونحن في وسط هذا الجبل المصنوع ، وهم يسيرون بنا في وسطه على تلك الحالة حتى خرجوا بنا إلى بركة كبيرة من الماء راكض فيها لا يتحرك ، ولم نر له مخرجا فنزلنا من الفلكين /٣٤٧/ إلى العرصة المذكورة ، فدخل بنا إلى قبة صنعت من أعواد الشجر مستديرة الشكل ، وقد غرس بأسفلها نبات كاللواية (١) ، فالتوت أوراقها على القبة بأجمعها ، وسقفها على شكل البيضة ، فدخلنا إليها فصار الماء يتقاطر علينا من القبة كالظل حتى ظن بعضنا أنه مطر مع أنه لم يكن سحاب (٢) ، ولم ينزل شيء من هذا الظل خارج هذه القبة ، فتأملنا فيها فوجدناهم أجروا إليها الماء في جعبات من الحديد قائمة مع القبة ومتصاعدة في سقفها ، وفيها
__________________
(١) كل نبات تطول أغصانه وتتلوى على الأشجار أو الأعمدة وتطلع مع الجدران ونحوها.
(٢) تقليد للري المطري الطبيعي ونظامه ، يتكون أساسا من أنابيب لنقل المياه ورشاشات لقذف الماء في شكل رذاذ ، ومضخة لدفع الماء في الأنانيب تحت ضغط مناسب. (عالم المعرفة «التكنولوجيا الحديثة» ، رقم ٥٠ : ١٧٧).