بخطابهم (فَتَبَسَّمَ) سليمان ابتداء (ضاحِكاً) انتهاء (مِنْ قَوْلِها) وقد سمعه من ثلاثة أميال حملته إليه الريح فحبس جنده حين أشرف على واديهم حتى دخلوا بيوتهم ، وكان جنده ركبانا ومشاة في هذا السير (وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) ألهمني (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ) بها (عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) (١٩) الأنبياء والأولياء (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) ليرى الهدهد الذي يرى الماء تحت الأرض ويدل عليه بنقره فيها فتستخرجه الشياطين لاحتياج سليمان إليه للصلاة فلم يره (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) أي أعرض لي ما
____________________________________
معروف شديد الإحساس والشم ، حتى إنه يشم الشيء من بعيد ويدخر قوته ، ومن شدة إدراكه أنه يفلق الحبة فلقتين خوفا من الإنبات ، ويفلق حبة الكزبرة أربع فلق ، لأنها إذا فلقت فلقتين نبتت ، ويأكل في عامه نصف ما جمع ، ويستبقي باقيه عدة. قوله : (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) فيه وجهان ، أحدهما أنه نهي ، والثاني أنه جواب الأمر. قوله : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) جملة حالية. قوله : (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً) مفرع على محذوف تقديره فسمع قولها المذكور فتبسم ، وكان سبب ضحكه شيئين : أحدهما ما دل على ظهور رحمته ورحمة جنوده وشفقتهم من قولها وهم لا يشعرون. الثاني سروره بما آتاه الله ما لم يؤت أحدا ، من ادراك سمعه ما قالته النملة. قوله : (ابتداء) الخ ، فالتبسم انفتاح الفم من غير صوت ، والضحك انفتاحه مع صوت خفيف ، والقهقهة انفتاحه مع صوت قوي ، وهي لا تكون من الأنبياء. قوله : (في هذا السير) أي في خصوص سيره على وادي النمل ، وكان هو وجنوده في غير هذا المكان راكبين على البساط وتسير بهم الريح. قوله : (وَعَلى والِدَيَ) إنما ذكر نعمة والديه تكثيرا للنعمة ، ليزداد في الشكر عليها. قوله : (فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) على حذف مضاف أي في جملة (عِبادِكَ) وفي بمعنى مع ، والمراد الكاملون في الصلاح ، لأن الصلاح مقول بالتشكيك ، فما من مقام إلا وفوقه أعلى منه ، والكامل يقبل الكمال.
قوله : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) شروع في القصة الثالثة ، والمعنى نظر في الطير فلم ير الهدهد ، وكان سبب سؤاله عن الهدهد ، أنه كان دليل سليمان على الماء ، وكان يعرف موضع الماء ، ويرى الماء تحت الأرض كما يرى في الزجاجة ، ويعرف قربه وبعده ، فينقر في الأرض ، ثم تجيء الشياطين فيحفرونه ويستخرجون الماء في ساعة يسيرة ، قيل لما ذكر ذلك ابن عباس قيل له : إن الصبي يضع له فخا ويحثو عليه التراب ، فيجيء الهدهد وهو لا يبصر الفخ حتى يقع في عنقه ، فقال ابن عباس : إذا نزل القضاء والقدر ، ذهب اللب وعمي البصر ، قيل ولم يكن له في مسيره إلا هدهد واحد. قوله : (فتستخرجه الشياطين) أي بأن تسلخ وجه الأرض عن الماء ، كما تسلخ الشاة.
قوله : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) استفهام استخبار. قوله : (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ أَمْ) منقطعة تفسر ببل والهمزة ، كأنه لما يره ظن أنه حاضر ولا يراه لساتر أو غيره ، فقال : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) ثم احتاط فظهر له أنه غائب فأضرب عن ذلك ، وهو إضراب انتقالي. قوله : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) الحلف على أحد الأولين بتقدير عدم الثالث ، فأو بين الكلمتين الأوليين للتخيير ، وفي الثالث للترديد بينه وبينهما ، فهي في الأخير بمعنى إلا. قوله : (بنتف ريشه) هذا أحد أقوال في معنى التعذيب ، وقيل هو أن