(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (٣٥) من قبول الهدية أو ردها ، إن كان ملكا قبلها ، أو نبيا لم يقبلها ، فأرسلت خدما ذكورا وإناثا ألفا بالسوية ، وخمسمائة لبنة من الذهب ، وتاجا مكللا بالجواهر ، ومسكا وعنبرا وغير ذلك مع رسول بكتاب ، فأسرع الهدهد إلى سليمان يخبره الخبر ، فأمر أن تضرب لبنات الذهب والفضة ، وأن تبسط من موضعه إلى تسعة فراسخ ميدانا ، وأن يبنوا حوله حائطا مشرفا من الذهب والفضة ، وأن يؤتى بأحسن دواب البر والبحر مع
____________________________________
نظر إليك نظرا فيه غضب ، فاعلم أنه ملك فلا يهولنك منظره فأنا أعز منه ، وإن رأيت الرجل بشاشا لطيفا فاعلم أنه نبي ، فتفهم قوله ورد الجواب ، فانطلق الرسول بالهدايا ، وأقبل الهدهد مسرعا إلى سليمان فأخبره الخبر ، فأمر سليمان الجن أن يضربوا لبنا من الذهب والفضة ففعلوا ، وأمرهم بعمل ميدان مقدار تسع فراسخ ، وأن يفرش فيه لبن الذهب والفضة ، وأن يخلوا قدر تلك اللبنات التي معهم ، وأن يعملوا حول الميدان حائطا مشرفا من الذهب والفضة ففعلوا ، ثم قال سليمان : أي دواب البر والبحر أحسن؟ فقالوا : يا نبي الله رأينا في بحر كذا دواب مختلفة ألوانها ، لها أجنحة وأعراف ونواص ، قال : عليّ بها ، فأتوه بها ، قال : شدوها عن يمين الميدان وشماله ، وقال للجن : عليّ بأولادكم ، فاجتمع منهم خلق كثير ، فأقامهم على يمين الميدان وشماله ، ثم قعد سليمان في مجلسه على سريره ، ووضع أربعة آلاف كرسي على يمينه وعلى شماله ، وأمر الجن والإنس والشياطين والوحوش والسباع والطير ، فاصطفوا فراسخ عن يمينه وشماله ، فلما دنا القوم من الميدان ونظروا إلى ملك سليمان ، رأوا الدواب التي لم يروا مثلها تروث على لبن الذهب والفضة تقاصرت إليهم أنفسهم ، ووضعوا ما معهم من الهدايا ، وقيل إن سليمان لما فرش الميدان بلبنات الذهب والفضة ، ترك من طريقهم موضعا على قدر ما معهم من اللبنات ، فلما رأى الرسل موضع اللبنات خاليا ، خافوا أن يتهموا بذلك ، فوضعوا ما معهم من اللبن في ذلك الموضع ، ولما نظروا إلى الشياطين ها لهم ما رأوا وفزعوا ، فقالت لهم الشياطين : جوزوا لا بأس عليكم ، وكانوا يمرون على كراديس الإنس والجن والوحش والطير ، حتى وقفوا بين يدي سليمان ، فأقبل عليهم بوجه طلق ، وتلقاهم ملقى حسنا وسألهم عن حالهم ، فأخبره رئيس القوم بما جاءوا به وأعطاه كتاب الملكة ، فنظر فيه وقال : أين الحقة؟ فأتى بها وحركها ، فجاء جبريل عليهالسلام فأخبره بما فيها ، فقال لهم : إن فيها درة ثمينة غير مثقوبة وجزعة ، فقال الرسول : صدقت ، فأثقب الدرة وأدخل الخيط في الجزعة ، فقال سليمان : من لي بثقبها؟ وسأل الإنس والجن فلم يكن عندهم علم ذلك ، ثم سأل الشياطين فقالوا : ترسل إلى الأرضة ، فلما جاءت الأرضة أخذت شعرة في فمها ودخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر ، فقال لها سليمان : ما حاجتك؟ قالت : تصيّر رزقي في الشجر ، فقال لها : ذلك لك ، ثم قال : من لهذه الخرزة؟ فقالت دودة بيضاء : أنا لها يا نبي الله ، فأخذت الدودة خيطا في فمها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر ، فقال لها سليمان : ما حاجتك؟ قالت : يكون رزقي في الفواكه ، فقال : لك ذلك ، ثم ميز بين الغلمان والجواري بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم ، فجعلت الجارية تأخذ الماء بيدها وتضرب بها الأخرى وتغسل وجهها ، والغلام يأخذ الماء بيديه ويضرب به وجهه ، وكانت الجارية تصب الماء على باطن