يَعْلَمُونَ) (١٣) بهذا الوعد ولا بأن هذه أخته وهذه أمه فمكث عندها إلى أن فطمته وأجرى عليها أجرتها لكل يوم دينار وأخذتها لأنها مال حربي فأتت به فرعون فتربى عنده كما قال تعالى حكاية عنه في سورة الشعراء (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) وهو ثلاثون سنة أو وثلاث (وَاسْتَوى) أي بلغ أربعين سنة (آتَيْناهُ حُكْماً) حكمة (وَعِلْماً) فقها في الدين قبل أن يبعث نبيا (وَكَذلِكَ) كما جزيناه (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (١٤) لأنفسهم (وَدَخَلَ) موسى (الْمَدِينَةَ) مدينة فرعون وهي منف بعد أن غاب عنه مدة (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) وقت القيلولة (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ) أي إسرائيلي (وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) أي قبطي يسخر الإسرائيلي ليحمل حطبا إلى مطبخ فرعون (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) فقال له موسى خلّ سبيله فقيل إنه قال لموسى : لقد هممت أن أحمله عليك (فَوَكَزَهُ مُوسى) أي ضربه بجمع كفه وكان شديد القوّة والبطش (فَقَضى عَلَيْهِ) أي قتله ولم يكن قصد قتله ودفنه في الرمل (قالَ هذا) أي قتله (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) المهيج غضبي (إِنَّهُ عَدُوٌّ) لابن
____________________________________
أن موسى كان يسمى ابن فرعون ، وكان يركب مراكبه ، ويلبس لباسه ، فركب فرعون يوما وكان موسى غائبا ، فلما قدم قيل له : إن فرعون قد ركب ، فركب موسى في أثره ، فأدركه المقيل في أرض منف ، فدخلها ليس في طرقها أحد. قوله : (وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) أي وكان طباخا لفرعون واسمه فليثون ، وأراد أن يسخر الإسرائيلي لحمل الحطب.
قوله : (فَاسْتَغاثَهُ) أي طلب غوثه ونصره. قوله : (أن أحمله) أي الحطب. قوله : (فَوَكَزَهُ مُوسى) أي دفعه بجمع كفه ، وأما اللكز فهو الضرب بأطراف الأصابع. قوله : (بجمع كفه) أي بكفه مجموعة ، فهو من إضافة الصفة للموصوف. قوله : (فَقَضى عَلَيْهِ) أي أوقع عليه القضاء وهو الموت. قوله : (ولم يكن قصد قتله) جواب عما يقال : كيف تجرأ على قتل القبطي؟ وحاصل إيضاح الجواب : أن قتله كان خطأ ، وقد يقال : قتله من باب دفع الصائل وهو واجب ، والاستغفار من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين. قوله : (قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) نسبته للشيطان من حيث إنه لم يؤمر بقتل القبطي ، وظهر له أن قتله خلاف الأولى ، لما يترتب عليه من الفتن ، والشيطان تفرحه الفتن.
قوله : (إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) الحق أن هذا تواضع منه ، وحسنات الأبرار سيئات المقربين. قوله : (بحق إنعامك) (عَلَيَ) أشار بهذا إلى أن ما مصدرية ، والكلام على حذف مضاف ، وأشار بقوله : (اعصمني) إلى أن الباء متعلقة بمقدر هو هذا ، وقوله : (فَلَنْ أَكُونَ) جواب شرط قدره بقوله : (إن عصمتني) وأراد بمظاهرة المجرمين صحبة فرعون وانتظامه في جماعته وتكثير سواده. قوله : (فَإِذَا الَّذِي) إذا فجائية ، و (الَّذِي) مبتدأ نعت لمحذوف أي فإذا الإسرائيلي الذي. و (اسْتَنْصَرَهُ) صلته ، و (يَسْتَصْرِخُهُ) خبر المبتدإ. قوله : (على قبطي آخر) أي يريد أن يستخدمه ، والاستصراخ الاستغاثة ، وسميت بذلك لأن المستغيث يصوت ويصرخ في طلب الغوث. قوله : (قالَ لَهُ مُوسى) قال ابن عباس : إن القبط قالوا لفرعون : إن بني إسرائيل قتلوا منا رجلا فخذ لنا بحقنا ، فقال : اطلبوا قاتله ومن يشهد