الْمُفْسِدِينَ) (٧٧) بمعنى أنه يعاقبهم (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ) أي المال (عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) أي في مقابلته ، وكان أعلم بني إسرائيل بالتوراة بعد موسى وهرون ، قال تعالى (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ) الأمم (مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً) للمال أي وهو عالم بذلك ويهلكهم الله (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) (٧٨) لعلمه تعالى بها فيدخلون النار بلا حساب (فَخَرَجَ) قارون (عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) بأتباعه الكثيرين ركبانا ، متحلين بملابس الذهب والحرير ، على خيول وبغال متحلية (قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا) للتنبيه (لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ) في الدنيا (إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ) نصيب (عَظِيمٍ) (٧٩) واف فيها (وَقالَ) لهم (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) بما وعد الله في الآخرة (وَيْلَكُمْ) كلمة زجر (ثَوابُ اللهِ) في الآخرة بالجنة (خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ
____________________________________
قوله : (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) جواب لما قالوه من الجمل الخمس ، كأنه ينكر محض الفضل ، والمعنى إنما أوتيته حال كوني متصفا بالعلم الذي عندي ، فأعطاني الله تلك الأموال لكوني مستحقا لها لفضلي وعلمي. قوله : (وكان أعلم بني إسرائيل بالتوراة) وقيل العلم الذي فضل به هو علم الكيمياء ، فإن موسى علمه ثلثه ، ويوشع ثلثه ، وكالب ثلثه ، فخدعهما قارون حتى أضاف ما عندهما إلى ما عنده ، فكان يأخذ الرصاص فيجعله فضة ، ومن النحاس فيجعله ذهبا ، فكثر بذلك ماله وتكبر ، وعلى هذا فقوله : (عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) المراد به علم الكيمياء ، ويكون المعنى اكتسبته بعلمي الذي عندي ، لا من فضل الله كما تقولون. قوله : (أَوَلَمْ يَعْلَمْ) الهمزة داخلة على محذوف ، والواو عاطفة عليه ، والتقدير أيدعي ولم يعلم أن الله الخ ، والاستفهام للتوبيخ ، والمعنى أنه إذا أراد إهلاكه لم ينفعه ذلك.
قوله : (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) أي لا يسألهم الله عن ذنوبهم إذا أراد عقابهم. إن قلت : كيف الجمع بين هذا وبين قوله تعالى (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ)؟ أجيب : بأن السؤال قسمان : سؤال استعتاب ، وسؤال توبيخ وتقريع ، فالمنفي سؤال الاستعتاب الذي يعقبه العفو والغفران ، كسؤال المسلم العاصي ، والمثبت سؤال التوبيخ الذي لا يعقبه إلا النار. قوله : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ) عطف على قوله : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) وما بينهما اعتراض ، وكان خروجه يوم السبت ، وقوله : (بأتباعه) قيل كانوا أربعة آلاف ، وقيل تسعين ألفا عليهم المعصفرات ، وهو أول يوم ريء فيه المعصفرات ، وكان عن يمينه ثلاثمائة غلام ، وعن يساره ثلاثمائة جارية بيض عليهن الحلي والديباج ، وكانت خيولهم وبغالهم متحلية بالديباج الأحمر ، وكانت بغلته شهباء بياضها أكثر من سوادها ، سرجها من ذهب ، وكان على سرجها الأرجوان ، بضم الهمزة والجيم وهو قطيفة حمراء.
قوله : (قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) أي وكانوا مؤمنين غير أنهم محجوبون. قوله : (كلمة زجر) أي وهي منصوبة بمقدر ، أي ألزمكم الله ويلكم ، والأصل في الويل الدعاء بالهلاك ، ثم استعمل في الزجر والردع. قوله : (مما أوتي قارون في الدنيا) أي لأن الثواب منافعه عظيمة. قوله : (وَلا يُلَقَّاها) أي يوفق للعمل بها. قوله : (على الطاعة وعن المعصية) أي وعلى الرضا بأحكامه تعالى.