(كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) هو بضم أوله ، وقرىء بفتحه من بدأ وأبدأ ، بمعنى أي يخلقهم ابتداء (ثُمَ) هو (يُعِيدُهُ) الخلق كما بدأهم (إِنَّ ذلِكَ) المذكور من الخلق الأول والثاني (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (١٩) فكيف ينكرون الثاني (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) لمن كان قبلكم وأماتهم (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) مدّا وقصرا مع سكون الشين (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٠) ومنه البدء والإعادة (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) تعذيبه (وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) رحمته (وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) (٢١) تردّون (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) ربكم عن إدراككم (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) لو كنتم فيها أي لا تفوتونه (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره (مِنْ وَلِيٍ) يمنعكم منه (وَلا نَصِيرٍ) (٢٢) ينصركم من عذابه (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ) أي القرآن والبعث (أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) أي جنتي (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢٣) مؤلم ، قال تعالى في قصة إبراهيم (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ) التي قذفوه
____________________________________
قوله : (كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) لما تقدم ذكر التوحيد والرسالة ذكر الحشر ، وهذه الأصول الثلاثة يجب الإيمان بها ، ولا ينفك بعضها عن بعض. قوله : (وقرىء بفتحه) أي شذوذا. قوله : (من بدأ وأبدأ) لف ونشر مشوش. قوله : (ثُمَ) (هو) (يُعِيدُهُ) قدر الضمير إشارة إلى أن الجملة ليست معطوفة على ما قبلها ، بل هي مستأنفة.
قوله : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أمر من الله لمحمد صلىاللهعليهوسلم بأن يقول لمنكري البعث ما ذكر ، ليشاهدوا كيف أنشأ الله جميع الكائنات ، ومن قدر على إنشائها بدءا يقدر على إعادتها. قوله : (مع سكون الشين) راجع للقصر ، والقراءتان سبعيتان. قوله : (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) أي في الدنيا والآخرة ، وقوله : (وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) أي فيهما فلا يسأل عما يفعل. قوله : (لو كنتم فيها) أشار بذلك إلى أن المراد بالأرض والسماء حقيقتهما ، ويصح أن يراد بهما جهة السفل والعلو. قوله : (أي القرآن والبعث) لف ونشر مرتب ، فالأول راجع للآيات ، والثاني للفاء. قوله : (أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) أي يوم القيامة ، وعبر بالماضي لتحقق وقوعه.
قوله : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ) الخ ، أي لم يكن جواب قوم إبراهيم له ، حين أمرهم بعبادة الله ، وترك ما هم عليه من عبادة الأوثان ، جزاء لما صدر منه من النصيحة إلا ذلك ، فإن النفس الخبيثة أبت أن لا تخرج من الدنيا حتى تسيء إلى من أحسن إليها ، وهذا الكلام واقع من كبارهم لصغارهم ، لأن الشأن أن الأمر بالقتل أو التحريق يكون من الكبار ، والذي يتولى ذلك الصغار ، وإنما أجابوا بذلك عنادا بعد ظهور الحجة منه. قوله : (أَوْ حَرِّقُوهُ) أتى هنا بالترديد ، واقتصر في الأنبياء على أحد الأمرين ، وهو الذي فعلوه ، إلى أن ما هنا حكاية عن أصل تشاورهم ، وما في الأنبياء عن عزمهم. وتصميمهم على ما فعلوه. قوله : (فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ) في الكلام حذف ، والتقدير فقذفوه في النار فأنجاه الله الخ ، وإلى هذا أشار المفسر بقوله : (التي قذفوه فيها). قوله : (هي) أي الآيات. قوله : (وإخمادها) أي سكون لهبها مع بقاء جمرها ، وأما الإهماد فهو طفء النار بالمرة. قوله : (في زمن يسير) أي مقدار طرفة عين. قوله : (لأنهم المنتفعون) علة لمحذوف ، والتقدير خصوا بالذكر لأنهم الخ.