(وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) صدرا لأنهم حسان الوجوه في صورة أضياف ، فخاف عليهم قومه ، فأعلموه أنهم رسل به (وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ) بالتشديد والتخفيف (وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) (٣٣) ونصب أهلك عطف على محل الكاف (إِنَّا مُنْزِلُونَ) بالتخفيف والتشديد (عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً) عذابا (مِنَ السَّماءِ بِما) بالفعل الذي (كانُوا يَفْسُقُونَ) (٣٤) به أي بسبب فسقهم (وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً) ظاهرة هي آثار خرابها (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٣٥) يتدبرون (وَ) أرسلنا (إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) اخشوه هو يوم القيامة (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (٣٦) حال مؤكدة لعاملها من عثي بكسر المثلثة أفسد (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) الزلزلة الشديدة (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) (٣٧) باركين على الركب متين (وَ) أهلكنا (عاداً وَثَمُودَ) بالصرف وتركه بمعنى الحي
____________________________________
(على محل الكاف) أي وهو النصب على أنها مفعول منجو. قوله : (عذابا) قيل هو حجارة ، وقيل نار ، وقيل خسف ، وعليه فالمراد بكونه من السماء أن الحكم به من السماء. قوله : (هي آثار خرابها) وقيل هي الحجارة التي أهلكوا بها ، أبقاها الله عزوجل حتى أدركتها أوائل هذه الأمة ، وقيل هي ظهور الماء الأسود على وجه الأرض. قوله : (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) متعلق بتركنا أو ببينة ، وخصهم لأنهم المنتفعون بالاتعاظ بها. قوله : (إِلى مَدْيَنَ) متعلق بمحذوف معطوف على (أرسلنا) في قصة نوح. قوله : (أَخاهُمْ شُعَيْباً) أي لأنه من ذرية مدين بن إبراهيم الذي هو أبو القبيلة ، فكما هو منسوب لمدين هم كذلك. قوله : (اعْبُدُوا اللهَ) أي وحدوه. قوله : (وَارْجُوا الْيَوْمَ) يصح أن يبقى الرجاء على معناه ، ويكون المعنى ارجوا رحمة الله في اليوم الآخر ، ويصح أن يكون بمعنى خافوا ، والمعنى خافوا عقاب الله في اليوم الآخر ، واليه يشير المفسر بقوله : (اخشوه). قوله : (من عثي بكسر المثلثة) أي من باب تعب ، ويصح أن يكون من باب قال. قوله : (فَكَذَّبُوهُ). إن قلت : مقتضى الظاهر أن يقال : فلم يمتثلوا أوامره ، لأن التكذيب إنما يكون في الإخبار. أجيب : بأن ما ذكره من الأمر والنهي متضمن للخبر ، كأنه قيل : الله واحد فاعبدوه ، والحشر كائن فارجوه ، والفساد محرم فاجتنبوه ، فالتكذيب راجع إلى الإخبار.
قوله : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي الزلزلة التي نشأت من صيحة جبريل عليهم ، وتقدم في هود : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) ولا منافاة بين الموضعين ، فإن سبب الرجفة الصيحة ، والرجفة سبب في هلاكهم ، فتارة يضاف الأخذ للسبب ، وتارة لسبب السبب. قوله : (بالصرف وتركه) راجع لثمود فقط ، وقوله : (بمعنى الحي والقبيلة) لف ونشر مرتب ، لكونه بمعنى الحي يكون اسم جنس ، لم توجد فيه العلمية التي هي إحدى علتي منع الصرف ، وكونه بمعنى القبيلة يكون علم شخص على أبي القبيلة ، فقد وجدت فيه العلتان. قوله : (إهلاكهم) أشار بذلك إلى أن فاعل تبين ، ضمير عائد على الإهلاك. قوله : (بالحجر) راجع لثمود ، وهو واد بين الشام والمدينة ، وقوله : (واليمن) راجع لعاد. قوله : (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) أي بواسطة الرسل ، فلم يكن لهم عذر في ذلك ، لأن الرسل بينوا طريق الحق بالحجج الواضحة له. قوله : (ذوي بصائر) أي عقلاء متمكنين من النظر والاستبصار ، لكنهم لم يفعلوا تكبرا وعنادا.