بهم (عَذاباً أَلِيماً) (٨) مؤلما هو عطف على أخذنا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
____________________________________
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) هذا شروع في ذكر قصة غزوة الأحزاب ، وكانت في شوال سنة أربع وقيل خمس ، وسببها أنه لما وقع إجلاء بني النضير من أماكنهم ، سار منهم جمع أكابرهم ، منهم حيي بن أخطب ، وكنانة بن الربيع ، وأبو عمار الواثلي ، في نفر من بني النضير ، إلى أن قدموا مكة على قريش ، فحرضوهم على حرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالوا : إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله ، فقال أبو سفيان : مرحبا وأهلا ، وأحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد ، ثم قالت قريش لأولئك اليهود : يا معشر اليهود ، إنكم أهل الكتاب الأول ، فأخبرونا أنحن على الحق أم محمد؟ فقالوا : بل أنتم على الحق ، فأنزل الله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) إلى قوله : (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) فلما قالوا ذلك لقريش ، سرهم ونشطوا لحرب محمد ، ثم خرج أولئك اليهود ، حتى جاؤوا غطفان وقيس غيلان فاجتمعوا على ذلك ، وخرجت قريش وقائدهم أبو سفيان ، وخرجت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن ، ولما تهيأ الكل للخروج ، أتى ركب من خزاعة في أربع ليال ، حتى أخبروا محمدا بما اجتمعوا عليه ، فشرع في حفر الخندق ، بإشارة سلمان الفارسي فقال له : يا رسول الله ، إنا كنا بفارس إذا حاصرونا خندقنا علينا ، فعمل فيه النبي والمسلمون حتى احكموه ، وكان النبي يقطع لكل عشرة أربعين ذراعا ، ومكثوا في حفره ستة أيام ، وقيل خمسة عشر ، وقيل أربعة وعشرين ، وقيل شهرا. قال عمرو بن عوف : كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعا ، فحفرنا وإذا ببطن الخندق صخرة كسرت حديدنا وشقت علينا ، فقلنا : يا سلمان ارق إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأخبره بخبر هذه الصخرة ، فأتى سلمان إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله خرجت لنا صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق ، فكسرت حديدنا وشقت علينا ، فمرنا فيها بأمرك ، فإنا لا نحب أن نجاوز خطتك ، فهبط رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع سلمان إلى الخندق ، وأخذ المعول مع سلمان ، وضربها به ضربة صدعها ، وبرق منها برق أضاء ما بين لا بتيها ، يعني المدينة ، حتى كأن مصباحا في جوف بيت مظلم ، فكبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكبر المسلمون معه ، ثم ضربها الثانية ، فبرق منها مثل الأول ، فكبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكبر المسلمون معه ، ثم ضربها الثالثة فكسرها ، فبرق منها برق مثل الأول ، وأخذ بيد سلمان ورقي ، فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط ، فالتفت رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى القوم وقال : «أرأيتم ما يقول سلمان»؟ قالوا : نعم ، قال : ضربت ضربتي الأولى ، فبرق البرق الذي رأيتم ، فأضاء لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى ، كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، ثم ضربت الثانية ، فبرق لي الذي رأيتم ، أضاءت لي منها قصور قيصر من أرض الروم ، كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، ثم ضربت الثالثة ، فبرق الذي رأيتم ، أضاءت لي منها قصور صنعاء ، كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا ، فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله موعد صدق ، وعدنا النصر بعد الحصر ، فقال المنافقون : ألا تعجبون؟ يمنيكم ويعدكم الباطل ، ويخبر أنه ينظر من يثرب ، قصور الحيرة ومدائن كسرى ، وأنها تفتح لكم ، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا؟ فنزل قوله تعالى : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) وقوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) الآية فلما فرغوا من حفره ، أقبلت قريش والقبائل وجملتهم اثنا عشر ألفا ، فنزلوا حول