فإنكن أعظم (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) للرجال (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) نفاق (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (٣٢) من غير خضوع (وَقَرْنَ) بكسر القاف وفتحها (فِي بُيُوتِكُنَ) من القرار وأصله اقررن بكسر الراء وفتحها من قررت بفتح الراء وكسرها ، نقلت حركة الراء إلى القاف وحذفت مع همزة الوصل (وَلا تَبَرَّجْنَ) بترك إحدى التاءين من أصله (تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) أي ما قبل الإسلام من إظهار النساء محاسنهن للرجال ، والإظهار بعد الإسلام مذكور في آية (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ
____________________________________
ليست الواحدة منكن كالواحدة من آحاد النساء ، فالتفاضل في الأفراد. قوله : (إِنِ اتَّقَيْتُنَ) شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه ، كما يشير له المفسر بقوله : (فإنكن أعظم) والمعنى أن اتقيتن الله ، فلا يقاس بالواحدة منكن واحدة من سائر النساء. قوله : (فَلا تَخْضَعْنَ) كلام مستأنف مفرع على التقوى. قوله : (بِالْقَوْلِ) أي بأن تتكلمن بكلام رقيق يميل قلوب الرجال إليكن ، إذ لا يليق منكن ذلك ، لكونكن أعظم النساء.
قوله : (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) في ذلك احتراس عما يقال : إنهن أمهات المؤمنين ، والإنسان لا يطمع في أمه ، فأجاب : بأن الذي يقع منه الطمع إنما هو النفاق ، لأن شهوته حاصلة معه ، وهو منزوع الخشية والخوف من الله ، ولكن نهين عموما سدا للذريعة. قوله : (قَوْلاً مَعْرُوفاً) أي حسنا ، فيه تعظيم الكبير ورحمة الصغير لا ريبة فيه. قوله : (بكسر القاف وفتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (من القرار) أي الثبات بيان لمعنى القراءتين. قوله : (وأصله اقررن بكسر الراء) أي من باب ضرب ، وقوله : (وفتحها) أي من باب علم ، فماضي الأول مفتوح ، والأمر مكسور ، والثاني بالعكس. قوله : (نقلت حركة الراء) أي الأولى ، وحركتها إما كسرة على الأول ، أو فتحة على الثاني. قوله : (مع همزة الوصل) أي الاستغناء عنها بتحريك القاف ، والمعنى اثبتن في بيوتكن ولا تخرجن إلا لضرورة.
قوله : (تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) اختلف في زمنها ، فقيل هي ما قبل بعثة إبراهيم ، وقيل ما بين آدم ونوح ، وقيل ما بين نوح وإدريس ، وقيل ما بين نوح وابراهيم ، وقيل ما بين موسى وعيسى ، وقيل ما بين عيسى ومحمد صلىاللهعليهوسلم ، وقيل هي ما قبل الإسلام مطلقا ، وعليه اقتصر المفسر ، وجعلها أولى بالنسبة إلى ما كن عليه ، وليس المعنى أن ثم جاهلية أخرى. قوله : (من اظهار محاسنهن للرجال) أي فكانت المرأة تلبس القميص من الدر غير مخيط الجانبين ، وكانت النساء يظهرن ما يقبح اظهاره ، حتى كانت المرأة تجلس مع زوجها وخلها ، فينفرد خلها بما فوق الإزار ، وينفرد زوجها بما دون الإزار إلى أسفل ، وربما سأل أحدهما صاحبه البدل. قوله : (والإظهار بعد الإسلام) إلخ ، جواب عما يقال : إن اظهار الزينة واقع من فسقة النساء بعد الإسلام ، فلا حاجة لذكر الجاهلية الأولى ، فأجاب : بأنه تقدم النهي عنه في قوله : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ).
قوله : (وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ) أي بشروطها وآدابها. قوله : (وَآتِينَ الزَّكاةَ) أي لمستحقيها. قوله : (وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي في جميع الأوامر والنواهي ، فلا تليق منكن المخالفة فيما أمر الله ورسوله به.