اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ) بالتاء والياء (لَهُمُ الْخِيَرَةُ) أي الاختيار (مِنْ أَمْرِهِمْ) خلاف أمر الله ورسوله ؛ نزلت في عبد الله بن جحش وأخته زينب ، خطبها النبي صلىاللهعليهوسلم وعنى لزيد بن حارثة فكرها ذلك حين علما بظنهما قبل ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم خطبها لنفسه ، ثم رضيا للآية (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (٣٦) بينا ، فزوجها النبي صلىاللهعليهوسلم لزيد ثم وقع بصره عليها بعد حين ، فوقع في نفس زيد كراهتها ، ثم قال للنبي صلىاللهعليهوسلم : أريد فراقها فقال : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) كما قال تعالى : (وَإِذْ) منصوب باذكر (تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) بالإسلام (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بالإعتاق وهو زيد بن حارثة كان من سبي الجاهلية اشتراه رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل البعثة وأعتقه وتبناه (أَمْسِكْ
____________________________________
في الامتناع شرعا كقوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً). قوله : (إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً) ذكر اسم الله للتعظيم ، وإشارة إلى أن قضاء رسول الله هو قضاء الله ، لكونه لا ينطق عن الهوى ، وإذا يصح أن تكون ظرفا معمولا لما تعلق به خبر كان ، والتقدير وما كان مستقرا لمؤمن ولا مؤمنة وقت قضاء الله ورسوله أمرا كون الخيرة لهم ، ويصح أن تكون شرطية ، وجوابها محذوف دل عليه ما قبله. قوله : (اين تكون) اسم كان مؤخر ، والجار والمجرور خبر مقدم. قوله : (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان ، فالتاء ظاهرة والياء نظرا إلى أن الخيرة مجازي التأنيث ، أو للفصل بين العامل والمعمول. قوله : (الْخِيَرَةُ) بفتح الياء وقرىء شذوذا بإسكانها ، ومعناهما واحد وهو الاختيار. قوله : (أي الاختيار) أشار بذلك إلى أن الخيرة مصدر.
قوله : (مِنْ أَمْرِهِمْ) حال من الخيرة. قوله : (وأخته زينب) أي بنت جحش ، وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قوله : (خطبها النبي وعنى لزيد) أي بعد أن كان زوجه أولا أم أيمن بركة الحبشية بنت ثعلبة بن حصن ، كان لعبد الله أبي النبي صلىاللهعليهوسلم فأعتقها ، وقيل أعتقها النبي صلىاللهعليهوسلم ، وعاشت بعده صلىاللهعليهوسلم خمسة أشهر وقيل سنة ، وولدت لزيد أسامة ، وكانت ولادته بعد البعثة بثلاث سنين وقيل بخمس. قوله : (فكرها ذلك) أي كون الخطبة لزيد ، وقالت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنا بنت عمتك ، فلا أرضاه لنفسي ، وكانت بيضاء جميلة ، وزيد أسود. قوله : (ثم رضيا للآية) أي حين نزلت الآية توبيخا لهما.
قوله : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) إلخ ، هذا من تمام ما نزل في شأنهما ، فكان المناسب للمفسر تأخير ذكر سبب النزول عن هذه الآية. قوله : (فَقَدْ ضَلَ) أي أخطأ طريق الصواب. قوله : (فزوجها النبي لزيد) أي وأعطاها رسول الله عشرة دنانير وستين درهما وخمارا ودرعا وملحفة وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر. قوله : (ثم وقع بصره عليها) هذا بناء على أن معنى قوله تعالى : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) هو حبها الذي درج عليه المفسر تبعا لغيره ، وهذا التفسير غير لائق بمنصب النبوة لا سيما بجنابه الشريف ، وأيضا يبعد أن النبي يخفى عليه حالها ، مع كونها بنت عمته وفي حجره. قوله : (فقال : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ)) أي لا تفارقها. قوله : (منصوب باذكر) أي فهو معمول لمحذوف. قوله : (اشتراه رسول الله) فيه تسمح ، بل الذي في السير ، أن خديجة اشترته بأربعمائة درهم ، ثم وهبته لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهذا الشراء صوري ، وإلا فهو كان حرا ، لأنه لم يكن الرق بالسبي مشروعا ، لكونهم