الأولى ياء وإسقاطها (كانُوا يَعْبُدُونَ) (٤٠) (قالُوا سُبْحانَكَ) تنزيها عن الشريك (أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) أي لا موالاة بيننا وبينهم من جهتنا (بَلْ) للانتقال (كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) الشياطين أي يطيعونهم في عبادتهم إيانا (أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) (٤١) مصدقون فيما يقولون لهم ، قال تعالى : (فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ) أي بعض المعبودين لبعض العابدين (نَفْعاً) شفاعة (وَلا ضَرًّا) تعذيبا (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) كفروا (ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) (٤٢) (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) القرآن (بَيِّناتٍ) واضحات بلسان نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم (قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) من الأصنام (وَقالُوا ما هذا) أي القرآن (إِلَّا إِفْكٌ) كذب (مُفْتَرىً) على الله (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِ) القرآن (لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ) ما (هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٤٣) بيّن ، قال تعالى : (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ
____________________________________
الرجل من يعولهم ، واحده عيل كجيد. قوله : (وابدال الأولى ياء) هذا سبق قلم من المفسر ، إذ لم يقرأ بهذه أحد من القراء ، وأما تحقيقهما وإسقاط الأولى فقراءتان سبعيتان ، وبقي ثلاث قراءات سبعيات : تحقيق الأولى ، وتسهيل الثانية وعكسه ، وابدال الثانية ياء ساكنة ممدودة مع تحقيق الأولى ، فتكون الجملة خمسا.
قوله : (كانُوا يَعْبُدُونَ) خطاب للملائكة وتقريع للكفار ، وذلك كقوله تعالى لعيسى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) مع كون الله تعالى عالما بأن الملائكة وعيسى بريئون من ذلك. قوله : (أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) أي أنت الذي نواليك ونتقرب اليك بالعبادة ، فلم يكن لنا دخل في عبادتهم لنا. قوله : (أي يطيعونهم) أي فالمراد بعبادة الجن طاعتهم فيما يوسوسون لهم ، وقيل كانوا يتمثلون لهم ، ويخيلون إليهم أنهم الملائكة ، كما وقع لجماعة من خزاعة كانوا يعبدون الجن ، ويزعمون أن الجن تتراءى لهم ، وأنهم ملائكة ، وأنهم بنات الله. قوله : (أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) إن قلت : حيث أثبت أولا أنهم كانوا يعبدون الجن ، لزم منه أن جميعهم مؤمنون بهم ، فكيف قال أكثرهم؟ أجيب : بأن قول الملائكة أكثرهم من باب الاحتياط تحرزا عن ادعاء الإحاطة بهم ، كأنهم قالوا : إن الذين رأيناهم واطلعنا على أحوالهم كانوا يعبدون الجن ، ولعل في الوجود من يطلع عليه من الكفار وأجيب أيضا : بأن العبادة عمل ظاهر ، والإيمان عمل باطن ، والظاهر عنوان الباطل غالبا ، فقالوا : بل كانوا يعبدون الجن لاطلاعهم على أعمالهم ، وقالوا أكثرهم بهم مؤمنون ، لعدم اطلاعهم على ما في القلوب. قوله : (أي بعض المعبودين) أي وهم الملائكة ، وقوله : (لبعض العابدين) أي وهم الكفار.
قوله : (وَنَقُولُ) عطف على (لا يَمْلِكُ). قوله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) أي دلائل توحيدنا. قوله : (إِلَّا إِفْكٌ) أي كذب غير مطابق للواقع ، ومع كونه كذلك هو (مُفْتَرىً) أي مختلق من حيث نسبته إلى الله ، فقوله : (مُفْتَرىً) تأسيس لا تأكيد. قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) التصريح بالفاعل انكار عظيم وتعجيب بليغ. قوله : (قال تعالى) أي ردا عليهم. قوله : (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) أي فالمعنى لا عذر لهم في عدم تصديقك ، بخلاف أهل الكتاب ، فإن لهم كتابا ودينا ، ويحتجون بأن نبيهم حذرهم من ترك دينه ، وإن كان عذرا باطلا وحجة واهية.