(أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ) في الملائكة وغيرها (ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١) (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) كرزق ومطر (فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ) من ذلك (فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) إي بعد إمساكه (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب على أمره (الْحَكِيمُ) (٢) في فعله (يا أَيُّهَا النَّاسُ) أي أهل مكة (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) بإسكانكم الحرم ومنع الغارات
____________________________________
قوله : (أُولِي أَجْنِحَةٍ) يصح أن يكون صفة لرسلا ، وهو إن كان صحيحا من جهة اللفظ لتوافقهما تنكير ، إلا أنه يوهم أن الأجنحة لخصوص الرسل ، مع أنها لكل الملائكة ، فالأحسن جعله صفة أو حالا من الملائكة ، نظرا لأل الجنسية. قوله : (مَثْنى) بدل من (أَجْنِحَةٍ) مجرور بفتح مقدرة ، نيابة عن الكسرة المقدرة ، لأنه اسم لا ينصرف ، والمانع له من الصرف الوصفية والعدل ، لكونه معدولا عن اثنين اثنين. قوله : (وَثُلاثَ وَرُباعَ) إن قلت : في أي محل يكون الجناح الثالث لذي الثلاثة؟ قلت : لعله يكون في وسط الظهر بين الجناحين يمدهما بالقوة.
قوله : (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ) جملة مستأنفة سيقت لبيان باهر قدرته تعالى. قوله : (في الملائكة) أي في صورهم ، فقد قال الزمخشري : رأيت في بعض الكتب ، أن صنفا من الملائكة لهم ستة أجنحة ، فجناحان يلفون بهما أجسادهم ، وجناحان للطير يسيرون بهما في الأمر من أمور الله ، وجناحان على وجوههم حياء من الله تعالى ، وفي الحديث : «رأيت جبريل عند سدرة المنتهى ، وله ستمائة جناح ، يتناثر من رأسه الدر والياقوت». وروى أنه سأل جبريل أن يتراءى له في صورته فقال : إنك لن تطيق ذلك. فقال : إني أحب أن تفعل ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ليلة مقمرة ، فأتاه جبريل في صورته ، فغشي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم أفاق وجبريل عليهالسلام مسنده ، وإحدى يديه على صدره ، والأخرى بين كتفيه ، فقال : سبحان الله ما كنت أرى شيئا من الخلق هكذا ، فقال جبريل : فكيف لو رأيت اسرافيل ، له اثنا عشر ألف جناح ، جناح منها بالمشرق ، وجناح بالمغرب ، وإن العرش على كاهله ، وإنه ليتضاءل الأحايين ، أي يتصاغر الأزمان لعظمة الله ، حتى يعود مثل الوصع ، وهو العصفور الصغير. قوله : (وغيرها) أي من جميع الخلق ، كطول القامة ، واعتدال الصورة ، وتمام الأعضاء ، وقوة البطش ، وحسن الصوت ، والشعر ، والخط ، وغير ذلك من الكمالات التي أعطاها الله لخلقه. قوله : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) كالتعليل لما قبله.
قوله : (ما يَفْتَحِ اللهُ ما) إما شرطية ، و (يَفْتَحِ) فعل الشرط ، وقوله : (فَلا مُمْسِكَ لَها) جواب الشرط ، أو موصولة مبتدأ ، وقوله : (يَفْتَحِ) صلتها ، وقوله : (فَلا مُمْسِكَ لَها) خبر المبتدأ ، وقرن بالفاء لما في المبتدأ من العموم ، وقوله : (مِنْ رَحْمَةٍ) بيان لما. قوله : (كرزق) أي دنيوي أو أخروي ، وعبر في جانب الرحمة بالفتح ، إشارة إلى أنها شيء عزيز نفيس ، شأنه أن يوضع في خزائن ، وأتى بها منكرة ، لتعم كل رحمة دنيوية أو أخروية. قوله : (فَلا مُمْسِكَ لَها) أنث مراعاة لمعنى (ما) وهو الرحمة. قوله : (وَما يُمْسِكْ) يصح أن يبقى على عمومه ، فالتذكير في قوله ظاهر ، ويصح أن يكون قد حذف من الثاني ، لدلالة الأول عليه ، والتذكير مراعاة اللفظ ، وقد أشار المفسر لهذا الثاني بقوله : (من ذلك) يعني من الرحمة. قوله : (أي أهل مكة) تفسير للناس باعتبار سبب النزول ، وإلا فالعبرة بعموم اللفظ.