عنكم (هَلْ مِنْ خالِقٍ) من زائدة وخالق مبتدأ (غَيْرُ اللهِ) بالرفع والجر ، نعت لخالق لفظا ومحلا وخبر المبتدأ (يَرْزُقُكُمْ) (مِنَ السَّماءِ) المطر (وَ) من (الْأَرْضِ) النبات والاستفهام للتقرير ، أي لا خالق رازق غيره (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (٣) من أين تصرفون عن توحيده ، مع إقراركم بأنه الخالق الرازق؟ (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) يا محمد في مجيئك بالتوحيد والبعث والحساب والعقاب (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) في ذلك فاصبر كما صبروا (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٤) في الآخرة ، فيجازي المكذبين ، وينصر المرسلين (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث وغيره (حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) عن الإيمان بذلك (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ) في حلمه وإمهاله (الْغَرُورُ) (٥) الشيطان (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) بطاعة الله ولا تطيعوه (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ) أتباعه في الكفر
____________________________________
قوله : (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) أي اشكروه على تلك النعم التي اسداها إليكم. قوله : (بإسكانكم) إلخ ، أشار بذلك إلى أن النعمة بمعنى الإنعام ، ويصح أن تكون بمعنى المنعم به. قوله : (وخالق مبتدأ) أي مرفوع بضمة مقدرة على آخره ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. قوله : (بالجر والرفع) أي فهما قراءتان سبعيتان ، وقوله : (لفظا أو محلا) لف ونشر مرتب ، وفي بعض النسخ بتقديم الرفع ، فيكون لفا ونشرا مشوشا ، وقرىء شذوذا بالنصب على الاستثناء. قوله : (والاستفهام للتقرير) أي والتوبيخ. قوله : (أي لا خالق رازق غيره) هذا حل معنى لا حل إعراب ، وإلا لقال : لا خالق غيره رازق لكم. قوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) كلام مستأنف لتقرير النفي المتقدم. قوله : (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) من الإفك بالفتح وهو الصرف ، وبابه ضرب ، ومنه قوله تعالى : (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا) وأما الإفك بالكسر فهو الكذب. قوله : (من أين تصرفون عن توحيده) أي كيف تعبدون غيره. مع أنه ليس في ذلك الغير وصف يقتضي عبادته من دون الله.
قوله : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) أي يدوموا على تكذيبك ، وهذا تسلية له صلىاللهعليهوسلم. قوله : (فاصبر كما صبروا) قدره إشارة إلى أن جواب الشرط محذوف ، والمعنى فتأسى بمن قبلك ولا تحزن. قوله : (فيجازي المكذبين) أي بإدخالهم النار ، وقوله : (وينصر المرسلين) أي بقبول شفاعتهم وإدخالهم دار الكرامة. قوله : (وغيره) أي كالحساب والعقاب. قوله : (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) المراد نهيهم عن الاغترار بها ، والمعنى فلا تغتروا بالدنيا ، فيذهلكم التمتع بها عن طلب الآخرة والسعي لها. قوله : (في حلمه) أي بسببه ، والمعنى لا تجعلوا حلمه وامهاله سببا في اتباعكم الشيطان. قوله : (الْغَرُورُ) هو بالفتح في قراءة العامة كالصبور والشكور ، وقرىء شذوذا بضمها ، إما جمع غار كقاعد وقعود ، أو مصدر كالجلوس. قوله : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) أي عظيم ، فإن عداوته قديمة مؤسسة من عهد آدم ، قوله : (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) أي فكونوا منه على حذر في جميع أحوالكم ، ولا تأمنوا له في السر والعلانية ، ولا تقبلوا منه صرفا ولا عدلا ، قال البوصيري :
وخالف النفس والشيطان واعصهما |
|
وإن هما محضاك النصح فاتهم |
ولا تطع منهما خصما ولا حكما |
|
فأنت تعرف كيد الخصم والحكم |