إبلا وبقرا وغنما (وَأَناسِيَّ كَثِيراً) (٤٩) جمع إنسان وأصله أناسين فأبدلت النون ياء وأدغمت فيها الياء أو جمع إنسي (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ) أي الماء (بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) أصله يتذكروا أدغمت التاء في الذال ، وفي قراءة ليذكروا بسكون الذال وضم الكاف أي نعمة الله به (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) (٥٠) جحودا للنعمة حيث قالوا : مطرنا بنوء كذا (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) (٥١) يخوف أهلها ولكن بعثناك إلى أهل القرى كلها نذيرا ليعظم أجرك (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) في هواهم (وَجاهِدْهُمْ بِهِ) أي القرآن (جِهاداً كَبِيراً) (٥٢) (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) أرسلهما متجاورين (هذا عَذْبٌ فُراتٌ) شديد العذوبة (وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) شديد الملوحة (وَجَعَلَ بَيْنَهُما
____________________________________
بأن الياء في إنسي للنسب ، وهو لا يجمع على فعالي ، كما قال ابن مالك : واجعل فعالي لغيري ذي نسب. قوله : (وأصله أناسين) أي كسرحان وسراحين. قوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ) أي فرقناه في البلاد المختلفة والأوقات المتغايرة ، على حسب ما قدر في سابق علمه ، روي عن ابن مسعود أنه قال : ليس من سنة بأمطر من أخرى ، ولكن الله عزوجل قسم هذه الأرزاق ، فجعلها في السماء الدنيا في هذا القطر ، ينزل منه كل سنة بكيل معلوم ، وإذا عمل قوم بالمعاصي ، حول الله ذلك إلى غيرهم ، وإذا عصوا جميعا ، صرف الله ذلك المطر إلى الفيافي والبحار. قوله : (أدغمت التاء في الذال) أي بعد قلبها دالا ، فذالا. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (أي نعمة الله به) أي فيقوموا بشكرها ليزدادوا خيرا. قوله : (جحودا للنعمة) أي حيث أضافوها لغير خالقها. قوله : (مطرنا بنوء كذا) النوء سقوط نجم من المنازل في المغرب ، وطلوع رقيبه من المشرق في ساعته في عدة أيام معلومة لهم ، وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط ، وقيل إلى الطالع ، واعتقاد تأثير تلك الأشياء في المصنوعات كفر ، لأنه لا أثر لشيء في شيء ، بل المؤثر هو الله وحده ، وإنما تلك الأشياء ، من جملة الأسباب العادية التي توجد الأشياء عندها لا بها ، ويمكن تخلفها ، كالإحراق للنار ، والري للماء ، والشبع للأكل.
قوله : (لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ) أي في زمنك. قوله : (ليعظم أجرك) أي فالنبي صلىاللهعليهوسلم له مثل أجر من آمن به ، من بعثه إلى يوم القيامة. قوله : (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) أي بل اصبر على أحكام ربك. قوله : (جِهاداً كَبِيراً) أي لأن مجاهدة السفهاء بالحجج ، أكبر من مجاهدة الأعداء بالسيف. قوله : (أرسلهما متجاورين) أي أجراهما متلاصقين لا يتمازجان ، ولا يبغي أحدهما على الآخر. قوله : (هذا عَذْبٌ فُراتٌ) هذه الجملة يحتمل أن تكون مستأنفة ، جواب سؤال مقدر كأنه قيل : كيف مرجهما؟ ويحتمل أن تكون حالية بتقدير القول ، أي مقولا فيهما هذا عذب الخ ، وسمي الماء العذب فراتا ، لأنه يفرت العطش أي يشقه ويقطعه. قوله : (شديد الملوحة) أي وقيل شديد الحرارة ، وقيل شديد المرارة ، وهذا من أحسن المقابلة حيث قال : عذب فرات ، وملح أجاج. قوله : (حاجزا لا يختلط أحدهما بالآخر) أي فالماء العذب داخل في الملح وجار في خلاله ، ومع ذلك لا يتغير طعمه ولا يختلطان ، بل يبقى على كل ما هو عليه ، بسبب منع الله لكل منهما عن الآخر بحاجز معنوي لا يحس بل بمحض قدرته تعالى ، وهذا أكبر الأدلة على انفراد الله تعالى بالألوهية.