الجهة الثالثة : في إجزاء الأمارات وعدمه بناء على السببيّة.
ولا مجال للإجزاء إذا كان المراد من السببيّة أنّه تعالى لم يجعل حكما من الأحكام قبل قيام الأمارات وتأديتها لعدم مقتض له من المصالح والمفاسد قبل قيام الأمارات ليكون منشأ لجعل الحكم بل المصلحة والمفسدة تحدث بقيام الأمارات على الوجوب أو على الحرمة والحكم مجعول بقيامها.
وعليه فالأحكام الواقعيّة هي نفس مفاد الأمارات ولا شيء غيرها حتّى يقال بإجزاء مفاد الأمارات عنه عند تخالفها والمفروض هو الإتيان بمفاد الأمارات.
ولكنّ هذا المعنى للسببيّة ممّا يكون خلاف الضرورة المتسالم عليه عند الأصحاب من أنّ الأحكام مشتركة بين العالم والجاهل.
وهكذا لا يعقل الإجزاء فيما إذا كان المراد من السببيّة هو انقلاب الأحكام الواقعيّة بنفس قيام الأمارات إلى مؤدّى الأمارات بحيث لا يبقى في الواقع شيء لا فعلا ولا شأنا غير مؤدّى الأمارات.
فإنّه بعد عدم وجود الأحكام الواقعيّة لا مجال لكشف الخلاف إذ الأحكام الواقعيّة حينئذ أيضا هي نفس مفاد الأمارات والمفروض هو الإتيان بها وحيث إنّ الأحكام الواقعيّة تختصّ بالعالمين بالأمارات فلا حكم بالنسبة إلى غيرهم وهو أيضا خلاف الضرورة والمتسالم عليه بين الأصحاب من اشتراك العالم والجاهل في الأحكام.
وأمّا إذا اريد من السببيّة أنّ سبب قيام الأمارات تحدث في المؤدّى مصلحة غالبة على مصالح الواقعيّة وموجبة لسقوط الواقعيّة عن الفعليّة فلا يكون مخالفا للضرورة المتسالم عليها لثبوت الأحكام الواقعيّة في هذه الصورة وإنّما انحصر الأحكام الفعليّة في مؤدّيات الأمارات ويكون الكشف الخلاف في هذه الصورة مجال فبعد