ومنشأ ذلك الإدراك هو العلم باتحاد الموضوعين في علّة الحكم ، فلو ثبت عن الشارع حرمة أكل التراب وذلك لكونه مضرّا فإنّ العقل بذلك يدرك حرمة أكل السم.
ومنشأ إدراك العقل لحرمة أكل السم هو العلم باتّحاد التراب والسم في علّة الحكم ، فما أدركه العقل من حرمة أكل السم يصلح للكشف عن حكم شرعي وهو حرمة أكل السم شرعا ، وهذا المقدار هو الذي تكشف عنه هذه القضية العقلية ، أي أنّها لا تصلح للكشف عن أكثر من موردها.
وهنا أمر لابدّ من التنبيه عليه ، وهو أنّ هذه القضية العقليّة نشأت عن قضية عقلية أخرى ، وهي قياس المساواة وليست هي المقصودة في المثال ، إذ أنّ قياس المساواة من القضايا العقلية التي يمكن الاستفادة منها في استنباط كثير من الأحكام الشرعية ، فهي إذن من العناصر المشتركة.
والمراد من قياس المساواة هي إدراك العقل بترتّب الحكم الثابت شرعا لموضوع على كل الموضوعات المشتملة على علّة ذلك الحكم ، فلو ثبت عن الشارع حرمة شرب الخمر وثبت بأي وسيلة من وسائل الإثبات أنّ علة ثبوت الحرمة للخمر هي الإسكار ، فإنّ العقل يدرك عندئذ أنّ كلّ موضوع اشتمل على نفس العلة فهو حرام.
وتلاحظون أنّ هذه القضية العقلية تصلح لأن يستنبط منها كثير من الأحكام الشرعيّة في مختلف الأبواب الفقهيّة.
وتلاحظون أيضا أنّ منشأ القضية العقلية القاضية بحرمة السم هي من صغريات قياس المساواة ، فحرمة أكل السم قضية عقلية إلا أنها عنصر مختص ، وقياس المساواة قضية عقلية إلا أنّها عنصر مشترك.