وكذلك الحال في الأخبار حيث جعل الغسل في جملة منها مقابلاً للصب ، فقد ورد في بعضها « إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله وإن مسّه جافاً فاصبب عليه الماء ... » (١) وفي آخر حينما سئل عن بول الصبي « تصب عليه الماء ، فان كان قد أكل فاغسله بالماء غسلاً ... » (٢) وفي ثالث « عن البول يصيب الجسد؟ قال : صب عليه الماء مرّتين ، فإنما هو ماء ، وسألته عن الثوب يصيبه البول؟ قال : اغسله مرّتين ... » (٣).
وعلى الجملة لا تردد في أن الصب غير الغسل ، وإنما الكلام في أن الغسل الذي به ترتفع نجاسة المتنجِّسات لما ذكرناه من أن الأمر في الروايات الآمرة بغسل الأشياء المتنجسة إرشاد إلى أمرين : أحدهما : نجاسة الثوب مثلاً بملاقاة النجس. وثانيهما : أن نجاسته ترتفع بغسله هل يعتبر في مفهومه العصر فلا يتحقق إلاّ بإخراج الغسالة بالعصر أو ما يشبهه كالتغميز والتثقيل ونحوهما ، أو يكفي في تحقق الغسل مجرد إدخال المتنجِّس في الماء أو صبّ الماء عليه حتى يرتوي؟ وإلاّ فلم يرد في شيء من الروايات اعتبار العصر في الغسل فنقول :
إن مقتضى إطلاق ما دلّ على تقذّر المتقذّرات بالمنع عن استعمالها في الصلاة أو الشرب أو غيرهما مما يشترط فيه الطهارة أو بغير ذلك من أنحاء البيان ، بقاؤها على قذارتها إلاّ أن يرد عليها مطهّر شرعي بحيث لولاه لبقيت على نجاستها إلى الأبد ، كما هو المستفاد من قوله عليهالسلام في موثقة عمار « فاذا علمت فقد قذر » (٤) وعلى ذلك إذا علمنا بحصول الطهارة بشيء من الأسباب الموجبة للطهارة فلا مناص من الأخذ به وتقييد الإطلاق المتقدم بذلك. وأما إذا شككنا في أن الشيء الفلاني سبب
__________________
(١) كما في صحيحة الفضل أبي العباس المروية في الوسائل ٣ : ٤١٤ / أبواب النجاسات ب ١٢ ح ١ ، ١ : ٢٢٥ / أبواب الأسآر ب ١ ح ١.
(٢) وهي مصححة الحلبي المروية في الوسائل ٣ : ٣٩٧ / أبواب النجاسات ب ٣ ح ٢.
(٣) وهي حسنة الحسين بن أبي العلاء المروية في الوسائل ٣ : ٣٩٥ / أبواب النجاسات ب ١ ح ٤.
(٤) الوسائل ٣ : ٤٦٧ / أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٤ ، وتقدّمت في ص ٨.