وهذه الشبهة من الضعف بمكان ، وذلك لأن المعتبر في الاستصحاب إنما هو اتحاد القضيتين : المتيقنة والمشكوك فيها ، بمعنى كون الشك متعلقاً بعين ما تعلق به اليقين ولا يعتبر الزائد على ذلك في الاستصحاب.
ثم ان الموضوع في القضيتين يختلف باختلاف الموارد ، فقد يكون الموضوع فيهما هو نفس الماهية الكلية أو الشخصية المجردة عن الوجود والعدم بحيث قد تتصف بهذا وقد تتصف بذاك ، كما إذا شككنا في بقاء زيد وعدمه ، حيث إن متعلق اليقين حينئذ هو الماهية الشخصية في الزمان السابق ، ونشك في نفس تلك الماهية في الزمان اللاّحق ، فالقضيتان متحدتان ولا يمكن أن يكون الموضوع في مثله هو الوجود أو العدم ، لأنهما أمران متباينان ومتقابلان تقابل السلب والإيجاب ، فلا يتصف أحدهما بالآخر ليشك في أن الوجود مثلاً هل صار عدماً في الزمان اللاّحق أم لم يصر ، وإنما القابل لذلك هو الماهية كما مرّ ، لإمكان أن تكون الماهية المتصفة بالوجود في الآن السابق متصفة بالعدم في الآن اللاّحق وليس كذلك الوجود والعدم. على أن لازم ذلك عدم جريان الاستصحاب في وجود الشيء أو عدمه إذا شك في بقائه على حالته السابقة ، لعدم إحراز الوجود أو العدم في زمان الشك فيهما.
وقد يكون الموضوع في القضيتين هو الوجود ، كما إذا علمنا بقيام زيد أو طهارة ماء ثم شككنا في بقائه على تلك الحالة وعدمه ، لوضوح أن الموضوع في مثله هو زيد الموجود وبما أنّا كنّا على يقين من قيامه ثم شككنا فيه بعينه فالقضيتان متحدتان.
وثالثة يكون الموضوع في القضيتين هو الهيولى والمادة المشتركة بين الصور النوعية ، كما إذا كنّا على يقين من اتصاف جسم بصورة وشككنا بعد ذلك في أنه هل خلعت تلك الصورة وتلبست بصورة أُخرى أم لم تخلع ، فانّ الموضوع في القضيّتين هو المادة المشتركة فيشار إلى جسم معيّن ويقال : إنه كان متصفاً بصورة نوعية كذا والأصل أنه الآن كما كان. ومقامنا هذا من هذا القبيل فنشير إلى ذلك الموجود الخارجي ونقول إنه كان كلباً سابقاً والآن كما كان ، للعلم بأن المادة المشتركة كانت متصفة بالصورة الكلبية فاذا شك في بقاء هذا الاتصاف يجري استصحاب كونها متصفة بالصورة الكلبية.