الحالة السابقة هل هو من باب تقديم الظاهر على الأصل ، لظهور حال المسلم في التجنب عن شرب النجس وعن الصلاة في غير الطاهر وعن بيع النجس من غير اعلام بنجاسته وهكذا ، أو أن الطهارة حكم تعبدي نظير قاعدة الطهارة من غير ملاحظة حال المسلم وظهوره؟ فعلى الأول يستند عدم جريان الاستصحاب إلى قيام الأمارة على انتقاض الحالة السابقة وخلافها ، كما أنه على الثاني يستند إلى التخصيص في أدلة اعتبار الاستصحاب.
ذهب شيخنا الأنصاري قدسسره إلى الأول لظهور حال المسلم في التنزه عن النجاسات ، وقد جعله الشارع أمارة على الطهارة للسيرة وغيرها (١) كما جعل سوق المسلمين أمارة على الذكاة ، وعليه لا يمكن الحكم بطهارة بدن المسلم وتوابعه إلاّ مع عدم العلم بعدم مبالاته بالنجاسة ، إذ لا يستكشف الطهارة بظهور حال المسلم مع القطع بعدم مبالاته بنجاسته. كما أنه يشترط في الحكم بالطهارة بناء على أنها من باب تقديم الظاهر على الأصل علم المسلم بنجاسة ما يستعمله ، لوضوح أنه لا ظهور في التنزه عن النجاسة في استعمالاته مع الجهل بالنجاسة ، وهذا ينحل إلى أمرين :
أحدهما : استعماله الثوب أو غيره فيما يشترط فيه الطهارة.
وثانيهما : العلم بشرطية الطهارة فيما يستعمله ، لأنه لولاهما لم يكن استعماله الخارجي إخباراً عملياً عن طهارة ما يستعمله فلا يكون له ظهور في الطهارة بوجه. نعم العلم بأن المستعمل عالم بالاشتراط غير معتبر في استكشاف الطهارة إذ يكفي احتمال كونه عالماً به ، وذلك لأن حال المسلم ظاهر في كونه عارفاً بما يشترط في أعماله ، ومن هنا لم نستبعد في التعليقة كفاية احتمال العلم أيضاً ، هذا كله بناء على أن الحكم بالطهارة عند الغيبة من باب تقديم الظاهر على الأصل وحمل فعل المسلم على الصحة.
ولا يبعد أن يقال إن الحكم بالطهارة أمر تعبدي كما هو الحال في قاعدة الطهارة من غير أن يلاحظ حال المسلم وظهوره ، وعليه لا يعتبر في الحكم بالطهارة شيء من
__________________
(١) كتاب الطهارة : ٣٨٩ السطر ٣١ ( بحث المطهرات ومنها : الغيبة ).