والأحجار ثم أُحدث الوضوء وهو خلق كريم ، فأمر به رسول الله وصنعه ، فأنزل الله في كتابه ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (١) وفي بعض الأخبار إن الناس كانوا يستنجون بالأحجار ، فأكل رجل من الأنصار طعاماً فلان بطنه فاستنجى بالماء ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) ويقال إن هذا الرجل كان البراء بن معرور الأنصاري (٢) فان الاستنجاء بكل من الماء والأحجار وإن كان نظافة شرعية ، إلاّ أن الاستنجاء بالماء يزيد في التنظيف لأنه يذهب العين والأثر ، والأحجار لا تزيل إلاّ العين فحسب. فالآية المباركة دلّت على أن الله يحب التطهير بالماء ، وحيث إن ورود الآية في مورد لا يوجب اختصاصها بذلك المورد ، فيتعدى عنه إلى مطلق النظافات العرفية والشرعية. وعلى الجملة استفدنا من الآية المباركة إن النظافة بإطلاقها محبوبة لله وأنها مأمور بها في الشريعة المقدّسة. ويؤيده ما ورد من أن النظافة من الايمان (٣) هذا كله في كبرى محبوبية الطهارة شرعاً.
وأمّا تطبيقها على الوضوء ، فلأنّ الطهارة اسم لنفس الوضوء أعني المسحتين والغسلتين ، لا أنها أثر مترتب على الوضوء كترتب الطهارة على الغسل في تطهير المتنجِّسات ، فإذا قلنا الصلاة يشترط فيها الطهارة فلا نعني به أن الصلاة مشروطة بأمرين ، وإنما المراد أنها مشروطة بشيء واحد وهو الغسلتان والمسحتان المعبّر عنهما بالطهارة ، وعلى هذا جرت استعمالاتهم فيقولون : الطهارات الثلاث ويريدون بها الوضوء والتيمم والغسل.
لا يقال : الطهارة أمر مستمر ولها دوام وبقاء بالاعتبار ، وليس الأمر كذلك في الوضوء لأنه يوجد وينصرم ، فكيف تنطبق الطهارة على الوضوء.
لأنه يقال : الوضوء كالطهارة أمر اعتبر له الدوام والبقاء ، ويستفاد هذا من جملة
__________________
(١) ، (٢) الوسائل ١ : ٣٥٥ / أبواب أحكام الخلوة ب ٣٤ ح ٤ ، ٣.
(٣) نهج الفصاحة : ٦٣٦ / ٣١٦١.