الجملة السابقة عليها أعني قوله عليهالسلام « اغسله في المِركَن مرتين » الذي يدل على لزوم التعدّد في غسل المتنجِّس بالبول بالماء القليل ، ويستفاد من مفهومها عدم اعتبار التعدّد فيما إذا غسل بغيره من المياه العاصمة بلا فرق في ذلك بين غسله بالماء الكثير وغسله بالجاري ونحوهما مما لا ينفعل بالملاقاة. وأما تعرضه عليهالسلام للغسل بالجاري دون الكثير فلعله مستند إلى قلة وجود الماء الكثير في عصرهم عليهمالسلام فالتصريح بكفاية المرة في الجاري لا دلالة له على اختصاص الحكم به ، بل الجاري وغيره من المياه العاصمة سواء والتعدّد غير معتبر في جميعها.
وهذه الدعوى كما ترى مجازفة ولا مثبت لها ، لأنها ليست بأولى من عكسها ، فلنا أن نعكس الدعوى على المدعي بتقريب أن جملة « اغسله في المِركَن مرّتين » تصريح وبيان للمفهوم المستفاد من الجملة المتأخرة عنها أعني قوله عليهالسلام « فان غسلته في ماء جار فمرّة واحدة » إذن تدلنا الصحيحة على أن الغسلة الواحدة تكفي في الجاري خاصة ولا تكفي في غيره من المياه ، بلا فرق في ذلك بين الماء القليل والكثير وإنما صرّح بالغسل بالقليل دون الكثير من جهة قلة وجود الكر في عصرهم عليهمالسلام لأنه لم يكن يوجد وقتئذ إلاّ في الغدران الواقعة في الصحاري والقفار فالاحتمالان متساويان ولا يمكن الاستدلال بالصحيحة على أحدهما ، فالصحيح أن الصحيحة لا تعرّض لها على كفاية المرّة في الغسل بالكثير إثباتاً ولا نفياً.
السادس : ما ورد في صحيحة داود بن سرحان (١) من أن ماء الحمام بمنزلة الماء الجاري ، وتقريب دلالتها على المدعى أن المياه الكائنة في الحياض الصغار مع أنها ماء قليل إنها نزلت منزلة الماء الجاري الذي يكفي فيه الغسل مرة واحدة لاعتصامها بمادتها أعني الماء الموجود في الخزانة وهو كثير ، إذن فنفس المادة التي هي الماء الكثير أولى بأن تنزّل منزلة الجاري في كفاية الغسل مرة واحدة ، وعلى ذلك فالكثير كالجاري بعينه ولا يعتبر فيه التعدّد.
ويرد على هذا الاستدلال : أن التنزيل في الصحيحة إنما هو بلحاظ الاعتصام وهو الذي نطقت به جملة من الروايات ، وليس من جهة أن ماء الحمام حكمه حكم الجاري
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٤٨ / أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ١.