انفعال الماء القليل بالملاقاة على جميع الأقوال المذكورة في الغسالة ، حيث إنّا سواء قلنا بطهارتها مطلقاً أم قلنا بنجاستها بالانفصال عن المحل أو قلنا بنجاستها مطلقاً ، غير أن خروج المقدار المتعارف منها مطهّر للأجزاء المتخلفة في المحل نظير الدم المتخلف في الذبيحة ، حيث إن خروج المقدار المتعارف منه بالذبح موجب لطهارة الأجزاء المتخلفة منه في الذبيحة ، لا بدّ من أن نلتزم بتخصيص أدلة انفعال الماء القليل بالملاقاة إما مطلقاً أو ما دام في المحل أو بعد خروج المقدار المتعارف من الغسالة ، لوضوح أنه لولا ذلك لم يمكن الحكم بطهارة شيء من المتنجسات بالغسل وبه ينسد باب التطهير بالمياه وهو على خلاف الضرورة والإجماع القطعي بين المسلمين. وأما الأدلّة القائمة على نجاسة الماء المتغيّر بأوصاف النجس فلا نرى ملزماً لتخصيصها بوجه وليست هناك ضرورة تدعو إليه ولا تترتب على القول بنجاسة الماء المتغيّر مطلقاً أيّ مفسدة ومعه لا بدّ من الالتزام بعدم حصول الطهارة إلاّ بالماء غير المتغيّر بالنجس. نعم يستلزم ذلك القول بتخصيص أدلة انفعال الماء القليل وهو مما نلتزمه كما عرفت ، هذا.
وقد يُقال : لا مانع من التزام حصول الطهارة بالماء المتغيّر بالاستعمال دون المتغيّر قبل الغسل به واستعماله ، تمسكاً بإطلاقات الأدلّة الآمرة بالغسل كما في صحيحة محمّد ابن مسلم « اغسله في المِركَن مرّتين فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة » (١) وغيرها ، لأنّ إطلاقها يشمل ما إذا تغيّر الماء بغسله واستعماله ، وبهذا نلتزم بتخصيص ما دلّ على نجاسة الماء المتغيّر وحصول الطهارة بالماء المتغيّر بالاستعمال ، أو أنّا نتحفّظ بإطلاق ما دلّ على نجاسة الماء المتغيّر وما دلّ على كفاية الغسل في تطهير المتنجسات ، فنلتزم بزوال النجاسة السابقة الموجودة في المتنجِّس حسب إطلاق ما دلّ على حصول الطهارة بالغسل كما نلتزم بتنجسه ثانياً من جهة ملاقاته الماء المتغيِّر لإطلاق ما دلّ على نجاسة الماء المتغيِّر بالنجس وهاتان دعويان لا يمكن المساعدة على شيء منهما.
أمّا بالإضافة إلى الدعوى المتقدِّمة فلأن النسبة بين إطلاقات ما دلّ على حصول
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٣٩٧ / أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.