الطهارة بالغسل وبين إطلاق ما دلّ على نجاسة الماء المتغيّر عموم من وجه ، لأن الأُولى مطلقة من حيث حصول التغيّر بالغسل وعدمه والثاني أعم من حيث استناد التغيّر إلى نفس استعمال الماء أو إلى أمر سابق عليه ، ومع التعارض في مورد الاجتماع وهو الماء المتغيّر بالاستعمال يتساقطان فلا بد من الرجوع إلى أحد أمرين : إما العموم الفوق كما دلّ على عدم جواز الصلاة في الثوب المتنجِّس ، فإنّه إرشاد إلى نجاسته ومقتضى تلك الإطلاقات أن النجاسة تبقى في أيّ متنجس إلى الأبد إلاّ أن يطرأ عليه مزيل شرعي كالغسل بالماء غير المتغيّر وهذا هو المستفاد من قوله عليهالسلام في موثقة عمار « فاذا علمت فقد قذر » (١) ولا يكفي الغسل بالماء المتغيّر لأجل الشك في مطهريته ومقتضى الإطلاق بقاء النجاسة ما لم يقطع بارتفاعها ، وأما استصحاب النجاسة مع الغض عن الإطلاق فهو يبتني على القول بجريان الاستصحاب في الأحكام ، وحيث إنّا لا نقول به وقد عرفت تمامية الإطلاقات الفوق فلا مناص من اشتراط عدم انفعال الماء ولو بالاستعمال.
وأما بالإضافة إلى الدعوى الثانية أعني التحفظ على كلا الإطلاقين : فلأن ظاهر ما دلّ على طهارة المتنجِّس بالغسل أن ذلك سبب لحصول الطهارة بالفعل ، والطهارة الفعلية لا تجتمع مع الحكم بنجاسة الماء بغسله من جهة ملاقاته مع الماء المتغيّر وهو نجس ، هذا كله في الصورة الأُولى.
وأمّا الصورة الثانية : وهي ما إذا تغيّر الماء بأوصاف النجس في الغسلة غير المتعقبة بطهارة المحل ، فلا نلتزم فيها بالاشتراط فتغيّر الماء حين استعماله كعدمه ، اللهمّ إلاّ أن يكون هناك إجماع تعبدي على اعتبار عدم تغيّر الماء حتى في الغسلة الاولى أعني ما لا يتعقبه طهارة المحل ، أو ادعي انصراف أدلة المطهرية عن الغسل بالماء المتغيّر ، إلاّ أن قيام الإجماع التعبدي في المسألة مما لا نظنّه ولا نحتمله ، ودعوى الانصراف لو تمّت فإنّما تتم في الغسلة المتعقبة بالطهارة بأن يقال : إنّ ظاهر الغسل المأمور به هو الذي تتعقبه طهارة المحل بالفعل فلا يشمل الغسل غير المتعقب بالطهارة كذلك. وأمّا الغسلة غير المتعقبة بالطهارة كما في محل الكلام فلا معنى لدعوى انصراف
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤٦٧ / أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٤.