النجاسات (١) فليس العمى مجرد عدم البصر عمّن من شأنه ذلك ، بل الاتصاف بعدم البصر ، كما أنّ الكفر هو الاتصاف بعدم الإسلام وهكذا.
وعليه فالميتة عبارة عن الاتصاف بعدم التذكية لا مجرد عدمها كي تحرز بالاستصحاب ، ولا ريب أنّ استصحاب عدم التذكية لا يثبت الاتصاف بالعدم كي يحرز معه عنوان الميتة.
نعم ، لو كانت الميتة مركباً من زهاق الروح مع عدم ورود التذكية على المحل كما ذكره شيخنا الأنصاري قدسسره في رسائله (٢) أمكن إحرازه بضمّ الوجدان إلى الأصل ، فإنّ الزهاق محرز بالوجدان ، والتذكية مشكوكة تدفع بالأصل فيلتئم الموضوع بضم أحدهما إلى الآخر ، ولكنه غير ثابت كما عرفت.
والتحقيق : أنّ مفهوم الميتة لم يكن شيئاً مما ذكر ، بل هو عبارة عن خصوص ما مات حتف أنفه ، المعبر عنه بالفارسية بـ ( مردار ) الذي تشمئز منه جميع الطباع وتستنفره ، كما تساعده اللغة (٣) والاستعمالات القرآنية. وأوضح شاهد له قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ .. ) إلخ (٤) مع أنّ جميع المذكورات ما عدا الدم ولحم الخنزير من أقسام الميتة ، أي من أفراد غير المذكى ، فبقرينة المقابلة يظهر أنّ المراد خصوص الموت حتف الأنف.
وهو وإن تعلّق النهي عن أكله في الآية الشريفة كما تعلّق النهي عن الصلاة فيه في الروايات العديدة كما سمعت إلا أنّ ذلك لا يمنع عن تعلّق الحكمين المزبورين بما هو أوسع من ذلك ، وهو العنوان العام أعني غير المذكى ـ
__________________
(١) شرح العروة ٣ : ٨١ ٨٢.
(٢) فرائد الأُصول ١ : ٤١٠.
(٣) المصباح المنير : ٥٨٤.
(٤) المائدة ٥ : ٣.