صلاحيّتها للمقاومة مع تلك النصوص المستفيضة بل المتواترة إجمالاً ، لعدم المجازفة في دعوى القطع بصدور بعضها إجمالاً ، فتكون تلك النصوص من المشهورات ومن قبيل بيّن الرشد وهذه من الشاذ النادر المأمور بطرحه والأخذ بالمشهور.
ومنها : الشعر ، فقد اختلفت كلمات الأصحاب في استثنائه ، حيث لم يرد بذلك نص بالخصوص فأثبته جمع ومنعه آخرون ، وتوقف فيه ثالث. لكن الظاهر وجوب ستره ، لا لتبعية الشعر للرأس الواجب ستره كي يستشكل بعدم جريانه في الشعر الطويل لاختصاص التبعية بالقصير ، بل لاستفادة ذلك من نفس الأخبار الدالّة على وجوب ستر الرأس ، التي منها صحيحة زرارة المتقدمة آنفاً وغيرها (١) فإنّ بشرة الرأس بنفسها متسترة بالشعر إلا ما شذ ممن لا ينبت على رأسه الشعر الملحق بالعدم فلا حاجة إلى الأمر بسترها وليس المقام نظير الأمر بالغسل اللازم فيه إيصال الماء إلى البشرة كما هو ظاهر.
وعليه فالأمر بستر الرأس لا يستفاد منه إلا ستر ما ينبت عليه من الشعر الذي يكون مكشوفاً بطبعه لولا الساتر. فهذه الأدلّة تدلّنا بالمطابقة على وجوب ستر الشعر من دون حاجة إلى التماس دليل آخر.
وأوضح رواية من روايات الباب تدلّ على ما ذكرناه وتؤكّده هي صحيحة زرارة المتقدمة آنفاً ، لمكان التصريح بالتجلّل الذي هو بمعنى التغطية الكاملة والاستيعاب التام ، يقال : جلّل المطر الأرض إذا عمّها وطبّقها فلم يدع شيئا إلا غطّى عليه. فالأمر بنشر الملحفة على الرأس والتجلّل بها معناه استيعاب التغطية للرأس بحيث لم تدع شعرة وإن طالت إلا وسترتها كي يكون التستر مستوعباً لجميعها ، تحقيقاً لمعنى التجلّل. وبالجملة : فالدليل الصحيح هو ما ذكرناه.
__________________
(١) الوسائل ٤ : ٤٠٥ / أبواب لباس المصلي ب ٢٨.