هداية
إذا خصّص العامّ بأمر معلوم مفهوما ومصداقا ، فلا ينبغي الإشكال في حجيّة العامّ في الباقي ، وليس ممّا يتطرّق عليه الاشتباه كما عليه المشهور ، بل ولم يظهر من أصحابنا فيه خلاف ، وإنّما نسب الخلاف إلى بعض العامّة كأبي ثور (١).
وذهب جماعة ـ منهم البلخي على ما حكي (٢) ـ إلى التفصيل بين المخصّص المتّصل ـ كالوصف والغاية وبدل البعض والاستثناء ، على تأمّل فيه ـ فقال بالحجّيّة ، وبين المنفصل فقال بعدمها.
لنا : ظهور العامّ في الباقي بعد التخصيص على وجه لا يشوبه شائبة الإنكار في العرف. ويشهد له انقطاع عذر العبد المأمور بإكرام العلماء إلاّ زيدا عند عدم الامتثال به كما هو ظاهر ، ولا نعني بالحجيّة في المقام إلاّ ذلك ، ويظهر بالرجوع إلى الوجدان الخالي عن الاعتساف. ويزيد ظهورا بملاحظة الاحتجاجات الواردة في كلمات الأئمّة وأرباب العصمة ـ صلوات الله عليهم ـ وأصحاب النبي صلىاللهعليهوآله من أهل اللسان والعلماء في موارد جمّة ، على وجه لا يمكن إنكاره ، بل ولولاه لا نسدّ باب الاجتهاد ؛ فإنّ رحى الاجتهاد تدور على العمل بالعمومات ، مع أنّ من السائر في الأفواه « ما من عامّ إلاّ وقد خصّ » ومن هنا قيل : إنّ العام المخصّص أقوى ظهورا من غيره ؛ لكونه مظنّة له (٣).
__________________
(١) انظر الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٢٥٢ ، والمختصر وشرحه : ٢٢٤.
(٢) حكاه الآمدي في الإحكام ٢ : ٢٥٢ ، وانظر المختصر وشرحه للعضدي : ٢٢٣ ـ ٢٢٤.
(٣) لم نعثر عليه.