نجد من يظهر منه الخلاف في وجوب الفحص في العمل بالبراءة فيترك التعويل على البراءة عند عدم الفحص لعدم المقتضي ، بخلاف المقام فإنّ المقتضي في المقام ممّا لا ينبغي الكلام فيه ، لظهور اعتبار العامّ سندا ودلالة ما لم يمنع منه مانع.
لا يقال : إنّ من جملة الأدلّة على وجوب الفحص عن الدليل عند العمل بالبراءة هو العلم الإجمالي في موارد الأصل ، لوجود العلم الإجمالي فيها بالتكليف ، وهذا الوجه بعينه موجود في المقام ، وقضيّة ذلك وجوب الفحص عن الحكم الواقعي وتحصيل التكاليف الواقعية عند الشكّ في المعارض ، فالمقامان من واد واحد.
لأنّا نقول : إن اريد من ذلك أنّ العامل بالعامّ قبل الفحص بمنزلة العامل بالبراءة قبله ـ كما يظهر ذلك من بعضهم ـ فهو غير سديد ، لظهور الفرق بينهما ، حيث إنّ العامل بالعامّ إنّما عوّل على دليل اجتهاديّ به يخرج الواقعة عن أطراف العلم الإجمالي المقتضي للتكليف المانع عن العمل بالبراءة. وإن اريد أنّ في المقام أيضا علما إجماليا بوجود المعارض فهو متين ، لكنّه لا يكون وجها لاتّحاد المقامين كما لا يخفى. وإذ قد عرفت هذا ، فاعلم أنّه يظهر من مطاوي كلماتهم وجوه من الدليل على المختار :
[ وجوه القول بعدم جواز الاخذ بالعامّ قبل الفحص : ]
الأوّل : ما قاله بعض الأعلام في الإشارات بعد ما نقله عن الوافية ، ومحصّله : أنّ إطاعة الله وإطاعة خلفائه واجبة وهي لا تتحقّق إلاّ بعد العلم بالمراد أو الظنّ ، وهو لا يحصل إلاّ بالفحص. أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني فللشكّ في صدق الإطاعة عند عدم العلم أو الظنّ بالمراد ، وأمّا الثالث فهو ظاهر أيضا (١).
__________________
(١) الإشارات : ١٥٨.