عدمه ، ولا شك أنّ صرف الملازمة بين الشيئين لا دلالة فيها زيادة على ما ذكروه : من ثبوت اللازم عند ثبوت الملزوم ، ومن انتفاء الملزوم عند انتفاء اللازم. وأمّا ثبوت اللازم فلا يدلّ على ثبوت ملزوم خاصّ ، لجواز كونه أعمّ ، كما أنّ نفي الأخصّ لا يلازم نفي الأعمّ ، كما يظهر من قولك : « لو كان هذا إنسانا كان حيوانا » فإنّ نفي الإنسان لا يلازم نفي الحيوان ، كما أنّ إثبات الحيوان لا يلازم إثبات الإنسان ؛ ولذلك لم يذكروا ذلك في عداد النتائج الحاصلة من الاستثنائي ، وحيث كانت الجملة الشرطيّة مفادها ثبوت الملازمة جعلوا تلك الجملة أمارة على ما راموه من الاستنتاج ، كما عرفت. وليس ذلك لأجل اختصاص تلك الجملة بإفادة الملازمة على وجه لا يلزم من نفي المقدّم نفي التالي.
والحاصل : أنّه حيث كان مقتضى الترتيب الطبيعي عند إرادة الاستنتاج أن يجعل ما هو الأعمّ مذكورا في التالي وما هو الأخصّ في المقدّم وكان ثبوت الخاصّ دليلا على ثبوت العامّ وعدم العامّ دليلا على عدم ثبوت الخاص ، اقتصروا في النتيجة على ما ذكروا ، وأين ذلك من انحصار مدلول الجملة الشرطيّة فيما لا يلزم من عدم المقدّم عدم التالي؟ وبالجملة ، فمنشأ ذلك اختلاف أنظارهم.
احتجّ المنكرون بوجوه :
الأوّل : ما عزاه جماعة إلى السيّد (١) وهو : أنّ تأثير الشرط إنّما هو تعليق الحكم به ، وليس يمنع أن يخلفه وينوب منابه شرط آخر يجري مجراه ، ولا يخرج عن كونه شرطا ، فإنّ قوله تعالى : ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ )(٢)
__________________
(١) الذريعة ١ : ٤٠٦.
(٢) البقرة : ٢٨٢.