وجه الدلالة ظاهر ، وفيما تقدّم منّا من البرهان العقلي كفاية.
فلنعطف عنان القلم إلى بيان الكلّيّة القائلة : بأنّ « كلّ ما حكم به الشرع حكم به العقل » فنقول : إنّ هذه الكلّيّة منهم تحتمل وجهين :
الأوّل : أنّ كلّ ما حكم به الشرع قد صدّقه في الحكم في تلك الواقعة العقل واعتقد وقوعه في محلّه وصدوره من أهله ، وهذا المعنى ممّا لا [ يكاد ](١) ينكره القائل بانفكاك الحكمين من العدليّة أيضا.
الثاني : أنّ كلّ ما حكم به الشرع حكم العقل على طبقه حكما إنشائيّا جعليّا كما في عكسه ، على ما مرّ تحقيق الكلام فيه.
فالمعنى الأوّل يتوقّف ثبوته على مقدّمتين مسلّمتين عند العدليّة ، وقد فرغنا عن إثباتهما في غير الفنّ.
إحداهما : أنّ أفعاله تعالى معلّلة بأغراض لا تعود إليه لئلاّ يلزم الاستكمال في حقّه والعبث منه ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
وثانيهما : امتناع الترجيح بلا مرجّح وأنّه لا يكفي للترجيح إرادة الفاعل وتعلّق قصده بأحد المتساويين في نظر الفاعل وإلاّ لزم الترجّح بلا مرجّح وهو ضروري البطلان وبديهي الاستحالة.
فبعد إحراز هاتين المقدّمتين لا يعقل عدم تصديق العقل لأحكام الشرع ، فإنّه تعالى خبير في حكمه وحكيم في صنعه ، فلا مناص من إمضاء العقل حكم الشرع على الوجه المذكور.
وقد زعم بعض المعاصرين (٢) : أنّ من قال بعدم كفاية الإرادة في الترجيح ـ كما في المقام ـ إنّما ينافي قوله في دفع ما ذهب إليه سليمان بن عبّاد الصيمري :
__________________
(١) لم يرد « يكاد » في ( ش ).
(٢) انظر القوانين ١ : ١٩٤.