والحاصل : أنّ التقليد إنّما هو معتبر من حيث إنّه يطابق الواقع في الأغلب وإن لم يكن مداره على حصول الظنّ في خصوصيّات الموارد ، وذلك يوجب الأخذ بالأقرب الأقوى نوعا إذا كان الأقربيّة مستندة إلى ذات الأمارة.
وقد يدّعى في المقام : أنّ بناء العقلاء على الرجوع إلى الأعلم. وهو في محلّه ، لما عرفت من أنّ بناء التقليد ليس على التعبّدية الصرفة ، فإنّ من المعلوم أنّ وجه بنائهم في أمورهم إنّما هو بواسطة إناطة أمورهم بالواقع المستكشف عندهم في الغالب بالإدراكات الظنّية.
وينبغي التنبيه على أمور :
الأول : الظاهر من لفظ « الأعلم » على حسب الاشتقاق في اللغة هو اختلاف الفاضل والمفضول في مراتب الإدراك المختلفة شدّة وضعفا. ولكنّه ليس بمراد قطعا ، بل المراد منه : إمّا من هو أقوى ملكة أو أكثر خبرة من غيره ، وإمّا من هو أكثر معلوما من غيره.
والظاهر هو الأوّل وإن قيل بانفكاكه عن الثاني في الغالب. والوجه في ذلك : أنّ كثرة المعلومات مع ضعف الملكة الحاصلة منها الاستنباط ربما يكون موجبا لمزيد البعد عن الواقع ، كما نشاهد في أغلب أبناء زماننا من الغلبة. ويشير إلى ذلك تفسير « الفقه » بالعلم بالملكة (١) مع شيوعه في العرف والعادة ، وفي بعض الآثار ما يرشد إليه حيث قال : « أنتم أعلم الناس إذا علمتم وفهمتم معاني كلامنا » (٢).
__________________
(١) كذا ، ولعلّ المراد : العلم الحاصل بسبب الملكة.
(٢) الوسائل ١٨ : ٨٤ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٧ ، وفيه : « أفقه الناس » بدل « أعلم الناس ».