والحاصل : أنّ الإجماع قام على عدم اعتبار ظنّ المقلّد في مقام الترجيح فيما إذا لم يكن مستندا بنفس الأمارة. نعم ، في المقام شيء آخر ، وهو أنّ فتوى غير الأعلم قد يكون بنفسها أقوى من فتوى الأعلم بواسطة زيادة حاصلة فيها من زيادة فحص وكثرة تتبّع لأقوال العلماء بعد اشتراكهما فيما هو المصحّح للاجتهاد والفتوى ، فلو لم نقل بأنّ ذلك يوجب الأعلميّة في هذه الواقعة الخاصّة لا يستقيم الاستناد إلى الدليل المذكور ، بل ولا يجري غيره من الأدلّة أيضا. أما الإجماعات المنقولة ، فلعدم الاطمئنان بشمولها للمقام. وأمّا الأخبار ، فيمكن دعوى عدم انصرافها إلى مثل المقام.
وهل يتخيّر بينهما نظرا إلى عدم الترجيح بينهما بواسطة اشتمال كلّ منهما على مرجّح داخليّ ، أو يقدّم الفاضل الأقوى نوعا نظرا إلى إطلاق معاقد الإجماعات والأخبار ، أو يقدّم المفضول نظرا إلى كونه أوثق شخصا؟ وجوه ، أوسطها الأوسط لو لم نقل : بأنّ ذلك يوجب أعلميّة المفضول في الواقعة الخاصّة ، فتدبّر.
وأمّا عن الثاني : فبأنّ التقليد إنّما هو ليس من الأمارات التعبّدية المحضة التي لا يلاحظ فيها حال الواقع بوجه ـ كأن يكون مفادها في عرض الواقع على وجه يكون موضوعا لما يترتب عليها حتى لا يكون الأقربية إلى الواقع موجبا للأخذ بها عند المعارضة ـ ولا من الأمارات الثابتة بواسطة دليل الانسداد حتى يؤخذ بالطرف الراجح ولو كان من الأمور الخارجية ، بل المتحقّق : أنّ اعتبار التقليد في حقّ العاميّ إنّما هو من باب التعبّد لكن على وجه الطريقيّة ، فالملحوظ فيه هو الكشف عن الواقع قطعا. ولا إشكال في أنّ الأخذ بما هو الأقوى في هذه الأمارات لازم لحكم العقل.