الأمر بين المحذورين ـ وجوب البقاء ، ووجوب العدول. ولو تمسّك باستصحاب الوجوب حينئذ ففيه ما عرفت في نظائره غير مرّة.
واستدلّ صاحب المفاتيح (١) على الجواز بالاستصحاب ، ثمّ أورد على نفسه : بأنّ هذا الجواز كان في ضمن الوجوب ، فإذا ارتفع الفصل ارتفع الجنس. ثمّ أجاب عنه : بأنّ الجواز حكم وضعيّ عبارة عن صحّة التقليد ، بمعنى كونه مجزيا عن اشتغال الذمّة. والوجوب حكم تكليفيّ ، ولا يلزم من انتفاء أحدهما انتفاء الآخر.
ثمّ أورد عليه أيضا : بأنّ الحكم الوضعي هنا إنّما استفيد من الحكم التكليفي ، فلا يتفاوتان.
ثمّ أجاب عنه :
أوّلا : بالمنع ، قائلا : بأنّ مجرّد الشك يكفينا في التمسّك بالاستصحاب.
وثانيا : بأنّ التبعيّة إنّما هي في ابتداء التقليد ، ونمنعه في التقليد الاستمراري.
وأنت إذا تأمّلت في أطراف هذا الكلام تجدها مواضع للنظر.
الثاني : الظاهر أنّ سائر شروط الإفتاء من الإيمان ، والإسلام ، والعدالة ، والعقل ، والعلم مثل الحياة في كونها شرطا في الابتداء والاستدامة ، وبه نصّ المحقّق الثاني في محكي حاشية الشرائع ، قال : ومتى عرض للفقيه العدل فسق ـ العياذ بالله ـ أو جنون أو طعن في السن كثيرا بحيث اختل فهمه امتنع تقليده ؛ لوجود المانع. ولو كان قد قلّده مقلّد قبل ذلك بطل حكم تقليده ؛ لأنّ العمل بقوله في مستقبل الزمان يقتضي الاستناد إليه حينئذ ، وقد خرج
__________________
(١) مفاتيح الأصول : ٦٢٤.