الثاني : أنّ الأمر وإن كان دائرا بين المحذورين ، إلاّ أنّه دائر في الحكم الظاهري بين التخيير والتعيين ، والأصل هو التعيين ، فتأمّل.
ومن هنا يظهر : أنّه لو قلّد المفضول بواسطة تعذّر الوصول إلى الفاضل فبعد التمكّن منه يجب الأخذ بالفاضل والعدول عن تقليده ، فكيف بالمسائل الّتي ما قلّد فيه المفضول!
الخامس : هل يجوز الترافع إلى المفضول مع وجود الفاضل؟ فيه تفصيل ، فإنّ القضاء إمّا أن يكون باستعمال أمور اجتهاديّة يلزم منه عمل المترافعين بقوله ، كترجيح البيّنة الداخلة على غيرها والحكم بردّ اليمين ، وكما إذا كان وجه النزاع هو اختلاف المجتهدين ، كما إذا ادّعى أحدهم ملكيّة عين مشتراة بالفارسيّة والآخر عدمها ونحوه. وإمّا أن لا يكون كذلك ، كما إذا كان رفع التشاجر بينهما موقوفا على سماع البيّنة من المدّعي أو حلف المنكر.
لا إشكال في جواز الترافع إلى المفضول في الثاني. وأمّا الأوّل : فإن كان بين الفاضل وغيره اختلاف في الفتوى فمع العلم بالاختلاف على جواز (١) الترافع إلى المفضول ، للأدلّة السابقة الدالّة على عدم جواز الأخذ بالمفضول مع وجود الفاضل. ولا دليل على أنّ القضاء لا يجوز من المفضول ولو عند الوفاق أو عدم احتياج الواقعة إلى إعمال الفتوى ، لإطلاق أدلّة القضاء. وذلك لا ينافي كون القضاء منصبا فيحتمل اعتبار الأعلميّة فيه تعبّدا لعدم كونه طريقا ، إذ مجرّد الاحتمال لا يكفي بعد وجود الدليل على وجه الإطلاق.
__________________
(١) كذا ، والعبارة ناقصة ، ولعلّها في الأصل : فالمشهور ـ أو المعروف ـ عدم جواز الترافع ....