متأخّر عنه لكونه متعلّقا به ، فلو كان العلم المتأخّر عنه مؤثّرا فيه قبحا (١) لزم تأثير المتأخّر في المتقدّم ، فلا بدّ من فرضه مقدّما ؛ وعلى تقديره يلزم تقدّم العلم على وجوده وتأخّر القبح عن وجوده ، وهو باطل جدّا.
بخلاف العلم بالموصوف ، إذ لو لم يكن الموصوف معلوما لما كان وقوعه على وجه الاختيار ، فإنّه ممّا علم ضرورة احتياج الفعل الاختياري إلى العلم والإرادة ، فعلى تقدير الجهل يكون الفعل اضطراريّا ومن المقطوع به المجمع عليه عدم اتّصاف الفعل الاضطراري بالحسن والقبح.
فالعلم بالموصوف لا بدّ وأن يكون ممّا له دخل بالحسن والقبح على هذه الوجوه (٢) دون العلم بالصفة ؛ لما عرفت ، مضافا إلى لزوم التصويب ، إذ الظلم في حقّ العالم بقبحه حرام وفي حقّ الجاهل مباح ، وما هو إلاّ اختلاف الأحكام في حقّ العباد من غير اندراجهم تحت عنوان يخصّهم بالعلم والجهل.
تنبيهان :
الأوّل : منشأ (٣) هذا النزاع بينهم هو ما قد تقرّر عند المتكلّمين : من أنّ النزاع في أنّ اختلاف الأفعال هل هو بواسطة اختلافها في حدود أنفسها وذواتها ، أو لأمور خارجة عنها؟ كالنزاع بين أرباب الصنعة في اختلاف الجواهر والفلزّات ، فيمكن إرجاع الاختلاف في المقام إلى اختلاف أقوالهم هناك ، فمن يرى أنّ شرب الخمر ماهيّة متميّزة عن غيرها لا تختلف لوقوعها في حالتي
__________________
(١) في ( ط ) : « مؤثّرا في قبحه ».
(٢) في ( ط ) : « هذا الوجه ».
(٣) في ( ط ) : « لعلّ منشأ ».