من أنّ دلالة الألفاظ ذاتيّة أو الوضع إنّما هو لمناسبة ذاتية ، بأنّ إرادة الواضع مرجّحة ؛ فإنّ كون إرادة الواضع مرجّحة إنّما يناسب مذاق من يجوّز صدور الفعل عن الفاعل من غير اقترانه واستناده إلى الفاعل وقدرته ، وأمّا على المشرب الحق الأصفى الأتمّ الأكمل فلا يكفي في الترجيح تعلّق الإرادة بأحد المتساويين ، إذ الكلام إنّما ينقل إلى نفس الإرادة بعد تساوي نسبتها إلى الطرفين (١).
لكنّه لا يخفى عدم استقامة ما زعمه ، فإنّ الإرادة تارة قد يقال للقصد ، وأخرى للعلم بالأصلح. فعلى الأوّل لا يكفي في الترجيح كما في المقام ، وعلى الثاني فهي بعينها هي المصلحة الداعية للفعل وصدوره من الفاعل. والمراد من « الإرادة المرجّحة » في مقام الوضع هو هذا المعنى ، نظرا إلى منع انحصار المرجّح في الوضع فيما يرجع إلى ذات اللفظ ، والإتيان بلفظ « الإرادة » مجرّدا عن القيد المذكور إنّما هو الإشعار بتوغّل اللفظ وما يتعلّق به من الوضع ومرجّحاته في التوقيفيّة ، كما لا يخفى.
وأمّا المعنى الثاني (٢) : فتارة يحمل على أنّ كلّ ما حكم به الشرع حكم به العقل تفصيلا أو فعلا ، وأخرى على أنّ كلّ ما حكم به الشرع حكم به العقل إجمالا أو بعد الاطّلاع على جهات الفعل. فعلى الأوّل لا شكّ في فسادها ، لمخالفتها للوجدان الصحيح. وعلى الثاني فلا شكّ في صحّتها ، لوجوه :
منها : أنّه لو لم يكن « كلّ ما حكم به الشرع حكم به العقل » صادقا لم يصدق قولنا : « كلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع » والتالي باطل فالمقدّم
__________________
(١) العبارة في ( ط ) هكذا : إلى نفس الإرادة مساواة الفعل بالنسبة إليها أيضا.
(٢) يعني المعنى الثاني لقاعدة « كلّ ما حكم به الشرع حكم به العقل » راجع الصفحة : ٣٧٥.