وإذ قد تمهّد ذلك ، فنقول : إنّ العمومات التي بأيدينا اليوم في الأخبار يحتمل تخصيصها من جهتين :
إحداهما : من حيث علمنا الإجمالي بوجود مخصّصات لها في الأخبار التي يمكن الوصول إليها في زماننا ، وغيرها من الأمارات الظنّية على تقدير القول بها.
وثانيتهما : من حيث احتمال ورود التخصيص عليه في الواقع مع عدم وصوله إلينا أيضا. والاحتمال الثاني بدئيّ يعمل في دفعه أصالة عدم التخصيص من دون معارض ، والاحتمال الأوّل بعد الفحص يستكشف واقعه ويعلم أنّه من العمومات التي خصّصت أو من غيرها ، إذ المفروض دعوى العلم الإجمالي فيما هو بأيدينا وما يمكن لنا الوصول إليها من المخصّصات. فالفحص من حيث تشخيص الواقع ، لا من حيث إجراء أصالة عدم التخصيص ، لأنّ الجهة البدئيّة غير محتاجة إلى الفحص ، والجهة المسبوقة بالعلم الإجمالي تصير معلوم التخصيص تارة ومعلوم العدم اخرى ، كما لا يخفى.
فإن قلت : إنّ هذا العلم الإجمالي إنّما هو من شعب العلم الإجمالي بمطلق التكاليف الشرعيّة التي تمنع عن الرجوع إلى الاصول في مواردها ، واحتمال ثبوت التكليف في موارد العامّ وأفراده إنّما هو بواسطة ذلك العلم الإجمالي ، وحكم ذلك العلم الإجمالي باق بعد الفحص ما لم يقطع بعدم المخصّص ، وقيام الظنّ مقامه يوجب التعويل على الظنّ المطلق ، كما عرفت فيما تقدّم.
قلت : إنّ العلم الإجمالي بثبوت مطلق التكاليف الذي أوجب الفحص عن مطلق الدليل يكفي في رفع حكمة الأخذ بظاهر العموم المعوّل عليه في الاصول ، وما هو المدّعى في المقام يغاير ذلك العلم الإجمالي ، ولا مدخل لأحدهما بالآخر وجودا وعدما ، كما لا يخفى على المتأمّل.