وما ذكرنا في الجواب أحسن ؛ لأنّا لو بنينا على عدم قدح مخالفة هذا القائل في الإجماع على حجّية قول الحي مطلقا لم يبعد دعوى الإجماع المحقّق على بطلانه ؛ فانّ الظاهر أنّه لم يقل غيره بوجوب اتباع الظنّ الأقوى ، وتعيّن العمل بقول الميّت إذا كان الأقوى منه في نظر المقلّد ، فيخرج الكلام عن كونه استدلالا بالأصل ، فليتدبّر.
واخرى : بأنّ التقليد عمل بما وراء العلم وهو منفي بالآثار والاعتبار خرج قول الحي بالإجماع وبقي الباقي تحت الأصل.
وأجاب عنه صاحب الوافية : بمنع كون العمل بما وراء العلم منهيّا إلاّ في اصول العقائد (١) ، وهو عجيب! وليس من مشاكلته (٢) وطريقة الأخبارية عجيبا ؛ لأنّ العقل القاطع عندهم ليس بحجّة.
وثالثة : بأنّ التقليد طريق جعلي للمكلّف بحيث لو لا دليل دلّ على اعتباره لما جاز الأخذ به كما عرفت ، ولا ريب أنّه إذا دار الأمر بين التخيير والتعيين في الطريق ولا يدري أنّه يجب الأخذ بهذا عينا أو مخيّرا بينها وبين غيره وجب الأخذ بما يحتمل وجوب الأخذ به عينا بحكم الاحتياط القاضي به العقل ؛ لأنّه لا ينافي احتمال كونه أحد فردي الواجب التخييري.
لا يقال : هذا الأصل إنّما يتمّ على مذهب من يبني على الاحتياط فيما إذا دار الأمر بين التخيير والتعيين ، وأمّا على مذهب من يبني على البراءة فلا يتم ذلك الأصل ؛ لأنّا نقول فرق بين الطريق وغيره ؛ فإنّ الأصل الأوّلي في الطرق الغير العلمية هي الحرمة إلاّ ما خرج بالدليل ، وفي غيره هي البراءة ، فمتى حصل الشكّ
__________________
(١) الوافية : ٣٠٤.
(٢) كذا في الأصل.