ثمّ إنّ الشكّ في التعيين والتخيير قد يرجع أيضا إلى الشكّ في ترجيح أحد الاحتمالين اللذين لا ثالث لهما على الآخر إذا لم يوافق أحدهما أصلا من الاصول ، مثل ما إذا دار حكم الشيء من (١) الوجوب والحرمة ، وكان في أحد الاحتمالين ما يحتمل كونه مرجّحا مثل موافقة الشهرة ، وهذا غير الشك في التعيين والتخيير الناشئ من التزاحم ، وعدم جريان أصل البراءة هنا أوضح من عدم جريانه في باب التزاحم ؛ لإمكان القول فيه : بأنّ الواجب بعد تزاحم الواجبين إنّما هو القدر المشترك بينهما ؛ لعدم إمكان الجمع ولا الطرح وانتفاء ما ثبت كونه مرجّحا في أحدهما ؛ بخلاف المقام ؛ فإنّ إرجاع التكليف إلى القدر الجامع بين الاحتمالين ـ أعني القدر المشترك بينهما ـ ممتنع ، فلا بدّ حينئذ من الأخذ بالقدر المتيقّن في مقام الامتثال بالحكم الظاهري الذي هو التخيير النقلي ، أعني اختيار ما يحتمل ترجيحه لموافقة الشهرة ونحوها.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ الشك في التخيير والتعيين في مسألتنا هذه ليس من القسم الأول الراجع إلى الإطلاق والتقييد ، ولا من القسم الثاني الراجع إلى التخيير الشرعي ؛ لأنّ ثبوت الحكم ولو شأنا ليس مقطوعا به لكلّ واحد من الفردين المحتمل تعيين أحدهما في هذين القسمين ، بخلاف المقام فإنّ الحجّة الشأنيّة مقطوع ثبوتها لقول كلّ من المتعارضين.
وأيضا أنّا نعلم قطعا أنّ غير محتمل التعيين فيهما كالكافرة ليس بواجب عيني ، وقول كلّ واحد من المجتهدين المتخالفين مما يحتمل كونه هو الواقع
__________________
(١) كذا ، والمناسب : بين.