ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ (١) اللهِ ) (٢) فَأَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ (٣) ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ بِهِ (٤) ، وَإِنَّ (٥) الْمُسْلِمِينَ كَانُوا (٦) يَظُنُّونَ أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ شَيْءٌ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) (٧) ثُمَّ أَتَى الصَّفَا ، فَصَعِدَ عَلَيْهِ ، وَاسْتَقْبَلَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ ، فَحَمِدَ اللهَ ، وَأَثْنى عَلَيْهِ ، وَدَعَا مِقْدَارَ مَا يُقْرَأُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ مُتَرَسِّلاً (٨) ، ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَى الْمَرْوَةِ ، فَوَقَفَ عَلَيْهَا كَمَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا ، ثُمَّ انْحَدَرَ ، وَعَادَ (٩) إِلَى الصَّفَا ، فَوَقَفَ (١٠) عَلَيْهَا ، ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتّى فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ (١١) وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ ، أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ ، فَحَمِدَ اللهَ ، وَأَثْنى عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ : إِنَّ هذَا جَبْرَئِيلُ ـ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى خَلْفِهِ ـ يَأْمُرُنِي أَنْ آمُرَ مَنْ لَمْ يَسُقْ (١٢) هَدْياً أَنْ يُحِلَّ ، وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ ، لَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا أَمَرْتُكُمْ (١٣) ،
__________________
(١) الشعائر : جمع الشَعيرة ، أو الشِعارة. قال الجوهري : « الشعائر : أعمال الحجّ ، وكلّ ما جعل علماً لطاعة اللهتعالى ». وقال ابن الأثير : « شعائر الحجّ : آثاره وعلاماته ، جمع شعيرة. وقيل : هو كلّ ما كان من أعماله كالوقوف والسعي والرمي والذبح وغير ذلك. وقال الأزهري : الشعائر : المعالم التي ندب الله إليها وأمر بالقيام عليها ». راجع : الصحاح ، ج ٢ ، ص ٦٩٨ ؛ النهاية ، ج ٢ ، ص ٤٧٩ ( شعر ).
(٢) البقرة (٢) : ١٥٨.
(٣) في « ظ ، ى ، بث ، جد » : « لله ».
(٤) في « ظ ، ى » : ـ « به ».
(٥) في « بح » : « إنّ » بدون الواو.
(٦) في « ظ » : ـ « كانوا ».
(٧) في « بخ » : +( فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ).
(٨) الترسّل : التأنّي وعدم العجلة ، والترسّل في القراءة : التمهّل فيها. وقيل غير ذلك. راجع : النهاية ، ج ٢ ، ص ٢٢٣ ؛ المصباح المنير ، ص ٢٢٦ ( رسل ).
(٩) في « جد » : « فعاد ».
(١٠) في « بح » : « ووقف ».
(١١) في « بح » : ـ « فلمّا فرغ من سعيه ».
(١٢) في الوافي : + « منكم ».
(١٣) قال ابن الأثير : « أي لو عنّ لي هذا الرأي الذي رأيته آخراً وأمرتكم به في أوّل أمري ، لما سقت الهدي معيوقلّدته وأشعرته ؛ فإنّه إذا فعل ذلك لا يحلّ حتّى ينحر ، ولا ينحر إلاّيوم النحر ، فلا يصحّ له فسخ الحجّ بعمرة ؛ ومن لم يكن معه هدي فلا يلتزم هذا ، ويجوز له فسخ الحجّ. وإنّما أراد بهذا القول تطييب قلوب أصحابه ؛ لأنّه كان يشقّ عليهم أن يحلّوا وهو محرم ، فقال لهم ذلك لئلاّ يجدوا في أنفسهم ، وليعلموا أنّ الأفضل لهم قبول ما