ومن الغريب ما ذكره بعض المتأخرين وحقّقه صاحب الحدائق (١) في الجواب عن الاحتجاج بالأخبار المذكورة أنّها غير دالّة على شيء من المذهبين ، وإنّما وردت لبيان سقوط الغسل من جهة عدم حصول غايته (٢) الّتي هي رفع الحدث أو استباحة الصلاة ، فلا يصحّ الغسل الواقع على تلك الحال سواء قلنا بوجوبه لنفسه أو غيره ، فهي منافية لقضيّة كلّ من القولين ليتفرّع صحّة الغسل على كلّ منهما.
قلت : ولا دلالة ظاهرة في هذه الأخبار على ما ذكره ؛ لعدم وجوب تداخل الغسلين ، فالظاهر ورودها لبيان جواز التأخير نظرا إلى عدم وجوب غايته في تلك الحال.
وما ادّعاه من عدم إمكان ارتفاع الحدث أو استباحة الصلاة معه قد عرفت ما فيه.
حجة القول بالوجوب النفسي (٣) الآية بناء على عطف قوله ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ) على الجملة الشرطية ، والأخبار الكثيرة الحاكمة بوجوب الغسل بعد عروض الجنابة كالمستفيضة الدالّة على كونه فريضة ، وأخرى دالّة على كونه واجبا ، وما دلّ على أنّ « من ترك شعرة من الجنابة متعمّدا فهو في النار » (٤) مضافا إلى الأوامر الواردة به الظاهرة في الوجوب النفسي.
ويدفعها (٥) ما عرفت من ظهور الآية في خلاف ذلك ، ومطلق الوجوب ممّا لا كلام فيه ، إنّما الكلام في وجوب النفسي ، والمطلق لا يدلّ على الخاص.
نعم ، إطلاق الوجوب ينصرف إليه إلّا أنّ الدليل قائم في المقام على إرادة الغيري مع وهن الظهور بفهم جمهور الأصحاب خلافه في المقام.
مضافا إلى ورود الأوامر في إزالة الأخباث مع الاتفاق هناك على كون المقصود خصوص الغيري ، فيؤيّد ذلك إرادته في المقام.
__________________
(١) الحدائق الناضرة ٣ / ٦٢.
(٢) في ( د ) : « غاية ».
(٣) زيادة في ( د ) : « ظاهر ».
(٤) الأمالي للشيخ الصدوق : ٥٧٢.
(٥) لم ترد في ( ب ) : « ويدفعها ... إنّما الكلام في ».