وربما يحمل الانحدار فيها على مقاربة الغروب ، فيراد بها النجوم العالية في جهة المشرق ، فهو إذن علامة تخمينية يحصل القطع منها بعد مضيّ مدة من الانتصاف.
والوجه الأول أقرب إلى التحقيق إلا أنه لا يستعلم به الحال كذلك إلا مع العلم بكون مدار ذلك الكوكب نظير مدار الشمس بحيث يكون قوس نهاره مساويا لقوس ليل الشمس ؛ إذ لو كان أقصر منه حصل الانتصاف بعد الانحدار ، وإلّا كان الانتصاف مقدّما عليه. وربما يطلع الفجر قبله فيحصل العلم بالانتصاف في أوائل حصوله من العلامة المذكورة يتوقّف على ما قلنا إلا أن العلم بها من الأمارات الظاهرة مشكل ، فيشكل إثبات الانتصاف به إلا بعد مضي مدة منه.
وقد يعرف ذلك بملاحظة طلوع الفجر أو غروبه أو قيامه على حسب اختلاف ليالي الشهرة كما قرّره.
وهو أيضا ممّا يختلف بحسب أحوال القمر ، فالعلم منه بالانتصاف إنما يكون بعد مضي مدة منه. وقد يستعلم ذلك بملاحظة مواضع الكواكب حال الغروب وحين طلوع الفجر ، فيجعل ما بينهما وقتا للانتصاف.
ومن الظاهر أنّ تعيين الوسط في الحس على سبيل التخمين. وهو أيضا مما يختلف باختلاف الليالي ، فلا يحصل منها أيضا إلّا بعد (١) مدة.
ومما ذكرنا ينقدح احتمال الاكتفاء في الانتصاف بالظن كما اكتفي به في معرفة سائر الأوقات عند وجود المانع في السماء.
وفيه ضعف ؛ إذ هو مخالف للأصل ، فيقتصر فيه على مورد الدليل.
وأقرب وجوه العلم بالانتصاف على سبيل التحقيق الرجوع إلى الاصطرلاب والساعات المضبوطة ، وهو مما لا يتمكن منه عامة الخلق ، وإنما يكون ذلك حجّة بعد حصول اليقين منها.
__________________
(١) في ( ألف ) : « لأبعد ».