ورأفته بخلقه وعلمه بما يحدثُه المبدّلونَ من تغيير كلامه (١) ، قسّم كلامَهُ ثلاثة أقسام ؛ فجعل قسماً منه يعرفهُ العالم والجاهل ، وقسماً لا يعرفهُ إلّا مَنْ صفا ذهنه وَلطفَ حسّهُ وصحّ تمييزه ممّن شرحَ اللهُ صدرَهُ للإسلام ، وقسماً لا يعرفه إلّا الله وَأُمناؤه [ و (٢) ] الراسخون في العلم ، وإنّما فعل ذلك لئلّا يدّعي أهل الباطل من المستولين على ميراثِ رسول الله صلىاللهعليهوآله من علم الكتاب ما لم يجعله الله لهم ؛ وَليقودهم الاضطرارُ [ إلى الائتمار لمن ولاه الله (٣) ] ، فاستكبروا عن طاعته تعزّزاً وافتراء على الله عزَّ وجَلّ واغتراراً بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند الله عزوجل.
فأمّا ما علمه الجاهل وَالعالم من فَضْل رسُول الله صلىاللهعليهوآله من كتاب الله فهو قوله سبحانه ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) (٤) ، وقوله ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٥) ، ولهذه الآية ظاهر وباطن ، فالظاهر قوله ( صَلُّوا عَلَيْهِ ) ، والباطن ( سَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ، أي سلّموا لمَنْ وَصّاهُ وَاستخلَفه عليكم وفضّله وما عهد به إليه تسليماً ، وهذا ممّا أخبرتكَ أنّه لا يعلم تأويله إلّا من لطفَ حسّهُ وصَفا ذهنه وصحّ تمييزه.
وكذلك قوله : ( سَلَامٌ عَلَى إل يس ) (٦) ؛ لأن الله سمّى النّبي صلىاللهعليهوآله بهذا الاسم ، حيث قال ( يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (٧) ، لعلمِه بأنّهم يسقطون قول : سلامٌ على آل محمّد ، كما أسقطوا غيره » (٨) .. » إلى آخره.
وإنّما ترك القسمَ الثالثَ وَهُوَ الذي لا يعرفهُ إلّا الله وَأُمناؤه والراسخون في العلم لعدم احتمال الزنديق له.
ولما رواه الملّا محسن الكاشاني في ( الأُصول ) عن الطبرسي ، عن ابن عبّاس ، أنّه قسّم وجوهَ التفسير على أربعة أقسام : ( تفسيرٌ لا يعذر أحدٌ بجهالته ، وتفسير تعرفهُ العربُ بكلامها ، وتفسير تعرفهُ العلماء ، وتفسير لا يعلمه إلّا الله عزوجل. فأمّا الذي لا
__________________
(١) في المصدر : ( كتابه ) بدل ( كلامه ). (٢) من المصدر.
(٣) في المخطوط : ( الاضطرار لمن ولاه أمرهم ) ، وما أثبتناه من المصدر.
(٤) النساء : ٨٠.
(٥) الأحزاب : ٥٦.
(٦) الصافات : ١٣٠.
(٧) يس : ١ ٣.
(٨) الاحتجاج ١ : ٥٩٦ ٥٩٧.