لأنّ حافظ الشرع قد وضع بإزاء كلّ شيء دليلاً يبيّنه من صحّة أو فساد ، وأمارة موصلة لما فيه الرشاد.
فمتى استفرغ مَنْ له أهليّة الاستنباط الوسع في تحصيل معرفة حكم الإمام وقع عليه وعرف قوله وحكمه ؛ لأنّ الطالب متى طلب الحكم من النحو الذي أُمر بطلبه منه وجَده.
فإنْ قيل : لا نسلّم أنّ الطالب متى طلب الحكم وجده ؛ لأنّه لو كان كذلك لما وقع الخطأ من أحد من أهل الاستنباط ، ولكنّكم لا تقولون به.
قيل : إنّا لا نقول : إنّ كلّ الأحكام يقينيّة حتى يتحقّق في كلّ منها الإجماع ، بل فيها الخلافيّة وعلامتها تكافؤ الأدلّة ، ولا يكون الرجحان فيها مانعاً من النقيض ، بل فيها ما يحصل به حكم لشخصٍ ونقيضه لآخر ، واليقينيّة لا بدّ من حصول شرط اليقين ، ولا علامة لأحدهما إلّا حصوله من دليل ظنّي أو يقيني ، والواقع لا يخلو منهما ، وكلّ منهما حيث ما طلب وجد ، ولا يجوز الخطأ فيما يحصل من الإجماع.
نعم ، ما يحصل من الإجماع المحصّل الخاصّ بمحصّله يجوز فيه ؛ لعدم عموم حجّيّته كما سيأتي في محلّه ، ولهذا جاز لمَنْ لم يحصّله مخالفته مع ظهور دليل من خارج.
والخلافيّة منها ما سبيله التوقّف وحكمه الاحتياط ، ومنها ما يبلغ تكافؤه حتى يحصل منه إجماع مركّب.
وممّا يحتجّ به لإمكان العمل به حصول القطع في بعض الأحكام مع مخالفة بعض الأخبار لها وإنْ كان فيها نصّ ، إلّا إنّه لا يحصل منه القطع لوجوده على نقيضه إلّا إذا عرف بدليل خارجي أنّ ما حكم به حكم الإمام عليهالسلام.
فإذا حصل القطع مع وجود المخالف عن نصّ للأمارات الدالّة على أنّ ذلك مذهب الإمام عليهالسلام ، حصل العلم بالإجماع ، على أنّا لا نعمل بمجرّد وجود حديث واحد ، بل لا بدّ من الترجيح بأمارة من خارج ، مَعَ أنّا لا نحيط بجميع ما ورد